إعلان

علموها أولادكم منذ الصغر!

الكاتب الصحفي سليمان جودة

علموها أولادكم منذ الصغر!

سليمان جودة
07:06 م الأحد 17 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


لا أتصور أن يسأل واحد فينا عما إذا كان من الجائز توزيع الزكاة على فقراء غير مسلمين في البلد.. لا أتصور هذا.. ولكن يبدو أن جانباً من الواقع الذي نعيشه يفوق حدود التصور، وليس أدل على ذلك إلا أنه قد ظهر بيننا مَنْ أثاروا هذه القضية مؤخراً، ولم يكن أمام دار الإفتاء، والحال هكذا، إلا أن تتقدم وتضع النقاط على الحروف في القضية كلها!
ولا تعرف ما الدافع وراء إثارة قضية كهذه؟!.. ولكن الذي تعرفه أن إثارة مثل هذه الأفكار التي تميز بين إنسان وبين إنسان على أساس الدين هي مسألة لا تليق، ويجب ألا نقبل بها تحت كل الظروف!

وقد استندت الدار- وهي تفعل هذا- إلى القرآن الكريم مرة، وإلى ما حدث من جانب عمر بن الخطاب في أيامه مرةً ثانية، ثم إلى مبدأ المواطنة مرةً ثالثة!

فالقرآن الكريم يتحدث عن الزكاة؛ باعتبارها "للفقراء المساكين".. وبالتالي فلا فرق بين فقير مسلم وفقير غير مسلم عند توزيعها.. والجميع حسب نص الآية سواء!.. وهذا الجزء من الآية قد ترك المعنى مطلقاً هكذا في عمومه، ولم يشأ أن يحدد إذا ما كان الفقير الذي يستحق الزكاة مسلماً أو غير مسلم.. فهو فقير وفقط، وهو مستحق الزكاة وحسب، وهو من الذين يجوز أن يتلقوا الزكاة وكفى.. ولا شيء آخر.. وإذا كان هذا هو ما رآه الفقهاء المستنيرون على مدى تاريخنا، فهو يتسق مع العقل السليم، ويتفق مع الطبيعة البشرية التي خلق الله الناس عليها، ويتماشى مع الفطرة الإنسانية!

وحين تستند دار الإفتاء الى آية في القرآن، أو إلى جزء من آية في القرآن، فإن أحداً من الذين أثاروا هذه القضية، وشغلوا بها قطاعاً من الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي بالذات - لن يستطيع أن يناقش أو يفاصل أو يجادل!
ومن القرآن إلى الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب الذي ثبت عنه أنه أخذ من مال الزكاة، ثم أعطى غير المسلمين، ولم يفرق بين مواطن وآخر من مواطني الدولة وقتها، وكان وهو يفعل ذلك يستوحي روح كتاب الله، ثم يستوحي ما سمعه من الرسول- عليه الصلاة والسلام- الذي نهض واقفاً ذات يوم لجنازة مرت عليه دون أن يعرف صاحبها، فلما راح أحد الصحابة ينبه النبي الكريم إلى أن الجنازة هي لرجل يهودي كان رد نبي الإسلام من كلمات ثلاث.. قال: إنها جنازة لإنسان!

هذه هي الروح التي تصرف الخليفة الراشد الثاني وفقاً لها، وهذه هي الروح التي استوحاها وهو يأخذ من بيت مال المسلمين ليعطي يهودياً رآه يسأل الناس، وهذا هو المعنى الذي أراد أن يرسخه بين الجميع في عهده، ثم بين كل القادمين من بعده على طول الطريق!
وأما المواطنة كمبدأ من مبادئ الدستور القائم، وباعتبارها حاكمة لعلاقة المواطن مع سواه من المواطنين، ثم حاكمة لعلاقة الحكومة بالمواطنين - فهي قيمة عالية لا بديل عن احترامها، لأنها تقول بأن ما لأي مواطن من حقوق هو نفسه ما لسائر المواطنين، وأن ما عليه من واجبات هو ذاته ما على باقي المواطنين، دون النظر إلى ديانة المواطن، أو لونه، أو شكله، أو كل ما يمكن أن يكون طريقاً إلى التمييز بين إنسان وإنسان!

هذا هو مبدأ المواطنة الحاكم لكل المواطنين الذين يحملون جنسية الدولة.. أي دولة وليس الدولة المصرية وحدها.. ولا علاقة للدين بالموضوع بطبيعة الحال؛ لأن القصة فيه هي انتماء المواطن لبلده، وهي ما يقتضيه، مثل هذا الانتماء الذي يرتب ولاءً للوطن بالضرورة!

والواضح أن قواعد مبدأ المواطنة لم تترسخ بيننا بعد، وأنها لا تزال في حاجة إلى جهد، وعمل، وصبر، ثم إلى وقت بعد الجهد والعمل والصبر!
وهو مبدأ من ذهب، ولهذا يستحق أن نظل نعمل عليه وألا نيأس أو تصيبنا خيبة الأمل، إذا ما واجهنا عبثاً في طريقنا من نوع التساؤل عما إذا كانت أموال الزكاة حلالاً على فلان من المواطنين، وحراماً على علان من بين المواطنين أنفسهم!

فالمواطنة كمبدأ حي في حياتنا لن تولد جاهزة مع كل طفل يخرج من بطن أمه، ولكنه سوف يتعلمها مدى حياته في البيت، وفي الشارع، وفي المدرسة، وفي الجامع، وفي الكنيسة، وفي التليفزيون، وفي كل وسيلة إعلامية من بعد التليفزيون.
علموا أولادكم المواطنة.

إعلان