إعلان

   عمرو عبد السميع رئيسا لتحرير الأهرام

د. جمال عبد الجواد

عمرو عبد السميع رئيسا لتحرير الأهرام

د. جمال عبد الجواد
08:55 م الجمعة 15 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

اتفق كل من كتبوا عن الراحل الدكتور عمرو عبد السميع على موهبته وموسوعيته ومهنيته، فهو قارئ مثقف، صحفي مهني، مقدم برامج تليفزيوني جاد، وكاتب مبدع. قرأنا عن تلك الأيام في عام 2005، عندما أبلغ الراحل باختياره رئيسا لتحرير الأهرام، الذي كانت لديه خططا تفصيلية لتطويره وتحديثه وإدخاله القرن الواحد والعشرين، وهو المنبر العريق القادم من الربع الأخير للقرن التاسع عشر. صدرت القرارات الرسمية، فلم يظهر فيها اسم عمرو عبد السميع، فما الذي حدث؟ وكيف تم تجاهل شخص لديه كل هذه المواهب؟ وما الذي غير قرارا كان يبدو أنه قد تم اتخاذه؟

أغلب من كتبوا في رثاء عمرو عبد السميع هم ممن خاصمهم في حياته. قليلون فقط هم من تحدثوا عن صداقتهم للراحل بلا تحفظات. أغلبهم كتبوا عن خلافاتهم معه بطرق وتعبيرات مختلفة، فالراحل لم يكن يتهيب مخاصمة أحد من مجايليه وتلاميذهم، ولم يكن يتردد في تبديل علاقته بهم، وتغيير أحكامه عليهم، بسرعة وحدة؛ وهذا هو مربط الفرس.

كان على الجميع في تلك اللحظات الحاسمة التي سبقت التغييرات الصحفية التاريخية في مايو 2005 أن يختاروا بين رئيس تحرير موهوب مبدع قادر على تحويل الأهرام إلى جريدة عصرية ناجحة، في نفس الوقت الذي يحول فيه حياة أي منهم إلى جحيم؛ وبين مرشحين منافسين، ليس لديهم نفس القدر من الموهبة، ولكن يمكن التفاهم معهم. اتضحت الصورة عندما تم تغيير القرار، وتم استبعاد عمرو عبد السميع، وعندها عرفنا أن الأغلبية من المعنيين اختاروا التضحية بالعبقرية المهنية لصالح الاعتدال والسواء.

كنت قريبا من أجواء هذه المعركة، وشاركت الأغلبية من المعنيين التحذير من عواقب هذا الاختيار، وأقول بأمانة أن الأهرام والصحافة المصرية دفعت ثمنا غاليا لهذا القرار، فقد تم إهدار الفرصة الأخيرة لإنقاذ الأهرام قبل أن يجتاحنا العصر الرقمي والسوشيال ميديا. فكيف اتفقنا وقتها، نحن المثقفين الإصلاحيين المهنيين المستنيرين، على معارضة المرشح الأصلح؟ هذا هو السؤال الكبير المليء بالعبر والدروس.

المهنية والمعرفة والثقافة لا تضمن لصاحبها الفوز، ولا تكفي لكي يسلم لك الآخرون بالحق في التقدم عليهم. فالفوز وتقدم الصفوف يحتاج إلى تحالفات ومساندين، ولو غاب هؤلاء، حتى لو توافرت كل المعرفة والمهارة والثقافة والمهنية، فالخسارة هي المرجحة.

المغالاة في الخصومة، والمبالغة في الاستهزاء اللاذع، المحط من كرامة الآخرين، يولد في النفوس آلم وفي الحلوق غصة، لو جاء من زميل أو رفيق أو صديق، فما الحال لو جاء من رئيس ومسئول. يا له من مصير مخيف يسعى أي عاقل لتجنبه؛ خاصة لو اقترن هذا بتقلب سريع، يجعل أصدقاء اليوم يتحسبون للحظة خروجهم من دائرة المحظوظين.

الفرد، مهما بلغ رقيه وتجرده، يضع الاعتبارات الشخصية في مقدمة العوامل التي تحدد قراراته، فيسأل أولا عن مصيره الشخصي لو تطورت الأمور في هذا الاتجاه أو ذاك. هذا هو معنى العقلانية في الاختيار واتخاذ القرار، وعندما طبق الكثيرون هذه القاعدة في تلك الأيام الحاسمة في مايو 2005، لم يكن الاختيار لصالح عمرو عبد السميع.

الإصلاحيون يحتاجون إلى المعرفة والمهارة والمهنية؛ ويحتاجون أيضا إلى الكياسة والقدرة على التعاطف، واحترام كرامة الآخرين.

إعلان