إعلان

في زمن كورونا.. مجابهة الأنانية، والتنمر والجهل

د. أمــل الجمل

في زمن كورونا.. مجابهة الأنانية، والتنمر والجهل

د. أمل الجمل
08:34 م السبت 11 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في الوقت الذي تسرق فيه تركيا معدات طبية من أسبانيا، فقد احتجزت الطائرة أثناء مرورها في غلافها الجوي، واستحوذت على أجهزة التنفس الصناعي منها. وفي الوقت الذي تمنع فيه أمريكا تصدير معدات طبية إلى كندا، مما يوتر العلاقات بينهما، في ظل النزاع بين حلف الناتو على الأجهزة الطبية، وفي ظل التدافع العالمي المجنون على شراء أجهزة التنفس الصناعي. في هذا الوقت العصيب تقوم أسرة مريضة مصرية - تُوفيت بالالتهاب الرئوي - بالتعدي على أطباء إحدى المستشفيات، وتحطيم جهاز التنفس الصناعي بعد علمهم بخبر الوفاة.

حكموا بالموت على آخرين

هذا التصرف معناه أن هذه الأسرة حكمت بالموت علي أشخاص آخرين كانوا بحاجة إلي هذا الجهاز لإنقاذ أرواحهم اليوم أو غدا، خصوصاً في ظل عدوى كورونا وأعراضها الخطيرة، فأغلب دول العالم تعاني نقصاً حادا في المعدات والأجهزة الطبية وفي مقدمتها أجهزة التنفس الصناعي، وطبعاً نحن بمصر لسنا أفضل حالا من هؤلاء الدول باستثناء أن ربنا أكرمنا ولم يفتح علينا الأبواب الجهنمية بعد.

شخصياً أطالب بتوقيع أقصى عقوبة علي كل فرد من هذه الأسرة شارك في الاعتداء على الأطباء وعلى الأجهزة الطبية. أطالب بعقوبة مادية. كل فرد يدفع ثمن جهاز للتنفس الصناعي، إضافة إلي الحبس التأديبي ليكونوا عبرة لغيرهم. نحن في وقت حرب نفسية وصحية واقتصادية مع عدو متنكر لا نراه ولا نعرف أين يختبئ، وعلى الناس أن تفهم وتعي هذا جيدا. إذا تم الصمت أو التجاوز عن هذه الواقعة سوف تتكرر. يجب على الناس أن تتدرب علي ضبط النفس، وعدم إلحاق الأضرار بالآخرين مهما كان حزنهم، ومهما كانت شكوكهم.

تظاهرات ضد الدفن..

لم نصل للمرحلة السيئة مع وباء كوفيد ١٩ حتى الآن. هذا من فضل ربي. لكن، إذا كنا مع هذه البداية التي لم تتجاوز ١٤٠ حالة وفاة - حتى لحظة كتابة المقال - وقد طفت على السطح بوضوح شديد سلوكيات متعددة تشي أولا بالجهل، وثانيا بالتجرد من الإنسانية والأنانية، ومنها مثلاً أزمة دفن جثث الموتى المصابين بالفيروس في عدد من القرى، بالدقهلية والبحيرة، والقليوبية، وتجمهر الأهالي رافضين الدفن خوفاً من انتشار الفيروس، وتتطلب الأمر استدعاء الأمن، وتفريق الأهالي بالغاز المسيل للدموع.

أمران تكشف عنهما هذه الأزمة؛ أولاً الجهل بفيروس كورونا المستجد «كوفيد ١٩» وكيفية نقل العدوى، سواء من الأحياء أو الأموات، وثانياً؛ عدم الثقة في إجراءات تكفين وتعقيم الجثث قبل دفنها.

تجمهر يكفي لموت جماعي

اللافت والمثير للغضب أن مَنْ يتأمل صور الأهالي في جميع الاحتجاجات والتجمعات الرافضة لدفن الموتى من جراء كورونا، ينتبه إلى أن الأهالي أنفسهم غير ملتزمين بالإجراءات والتعليمات الصحية، فلا هم مرتدين للأقنعة الطبية أو القفازات، كما أنهم لا يلتزمون بترك مسافات آمنة بين بعضهم البعض، بل يكاد يكونون ملتحمين ببعضهم كأننا في زمن عادي، ولسنا في زمن كورونا المستجد، فهل هذا معقول؟!

الناس تتظاهر ضد الدفن خوفاً من نقل العدوى بينما هم يضعون أنفسهم فريسة سهلة للعدوى بهذا التجمع والقرب الزائد عن الحد.

لذلك، أعتقد أن هناك ضرورة مُلحة لبحث سبل التثقيف الصحي المباشر وجها لوجه خصوصاً مع أهالي القرى والأحياء الشعبية، من خلال متطوعين من أبناء وبنات هذه المناطق. أعتقد أنها طريقة مثالية أيضاً لمواجهة آثار وسائل التواصل الاجتماعي التي أقترح أن نسميها «وسائل الفشل الاجتماعي» التي صارت مصدرا للشائعات المهلكة للوقت والأعصاب والتي تبث الكراهية والبغضاء بين الناس، وتستنفد جزءاً من موارد الدولة للرد على الأكاذيب، بينما نحن في حالة يعاني منها الاقتصاد مثل كافة دولة العالم بسبب وباء كورونا.

هذا التثقيف المباشر ضرورة قُصوى. لماذا؟ لأننا دولة ترتفع فيها نسبة الأمية بشقيها، الأمية المتعلقة بالقراءة والكتابة، والأمية المعرفية. هذه الناس لا تقرأ الصحف، ولا تقرأ شيئا من حملات التوعية التي يقوم بها نجوم أو كتاب. هؤلاء لن يُجدي معهم سوى التواصل المباشر. اختاروا أناساً متطوعين من بينهم ليقوموا بهذا الدور.

مثلما أقترح أن يُساهم عدد من رجال الأعمال بكل محافظة في تخصيص مقابر للجثث المصابة بكورونا إن لزم الأمر لفض الاشتباك، وأيضاً لأجل الوفيات التي لا تمتلك مدافن.

تنمر مغلف بالجهل والتجرد من الإنسانية

في الوقت الذي نطالب فيه بضرورة تحسين أوضاع الأطباء وأطقم التمريض لأنهم في مقدمة مَنْ يتعرضون لمخاطر فيروس كورونا. إنهم على خط النار، لكن فجأة بدلاً من معاملتهم بشكل فيه تقدير يقوم بعض الناس بالإساءة إليهم.

استمعت ببالغ الأسف إلي فيديو طبيبة حميات الإسماعيلية وكيفية تصرف الجيران معها بشكل مهين ومسيء، ويعاقب عليه القانون، خصوصاً أنها امرأة شابة، واستخدموا معها ألفاظا يُمكن أن يُساء فهمها في الأوساط الشعبية، ويمكن أن تُحيل على سمعة المرأة. كل هذا لماذا؟! فقط لأنها تعمل بمستشفي الحميات، أي على خط المواجهة مع مصابي فيروس كورونا. فهل مثلاً على الأطباء أن يعالجوا المرضى ثم يقتلون أنفسهم؟! الحقيقة شخصياً أنا غير قادرة على استيعاب هذه الأنانية.

تقول الطبيبة أنهم هاجموها قائلين: «إحنا عرفنا عنك كل حاجة.. وعرفنا أنت مين؟ احنا عندنا أطفال وأنت جاية تجيب لنا المرض؟! أنت شغالة في الحميات؟» وقدم ضدها أحد الجيران بلاغاً مدعياً أنها مُصابة بالفيروس وتتكتم عليه، كما زعم أنها متسترة على حالة كورونا بالشقة معها تقوم بعلاجه.

ثم تختتم الطبيبة رسالتها قائلة: «ماله الطبيب؟! هل عاوزينا نبات في المستشفيات؟؟ طيب إحنا فعلا بنبات.. بس هل مش من حقنا نرجع بيوتنا نريح شوية؟ هل مش من حقنا ناكل أكل كويس؟؟ مش من حقنا ناخد فاصل علشان نقدر نكمل الفترة اللي إحنا فيها دي؟!

والسؤال هنا: هل نشجع الأطباء وأطقم التمريض ونحميهم، ونسهل مهامهم ليقوموا بدورهم على أكمل وجه، أم نضع في طريقهم العراقيل ونسيء إليهم، وندمرهم نفسيا؟! ماذا يريد هؤلاء؟ هل يريدون من الأطباء أن يتوقفوا عن التعامل مع مرضى فيروس كورونا؟! طيب وماذا سيكون الوضع؟ هل يريدون مجتمعاً سليماً متعافياً نفسيا وجسديا؟ أم مجتمع مغلل بقيود الكراهية والمرض وآلاف وربما ملايين الجثث؟!

العقاب ضرورة

ملخص حكاية هذه الطبيبة يحمل دلالات تصب هي أيضاً في خانة الجهل الذي يعانيه البعض، والذي يُؤكد على ضرورة التوعية والتثقيف المباشر، مثلما يشي تصرف الجيران بفقدان البصيرة والأنانية لأن هؤلاء الجيران - وغيرهم - من المؤكد أنهم يخرجون للتسوق، والتعامل مع آخرين، وعندما سيُصاب أحدهم سيذهب إلى هذه الطبيبة، أو لطبيب آخر، وستقوم الممرضات برعايته حتى يطيب أو ينتقل إلى رحمة ربنا.

استرعى انتباهي أيضاً التنمر ضد الممرضات بمستشفى الصدر في دكرنس والمحتجزين بمستشفى العزل، وإني أتساءل: مَنْ المسئول عن نشر أسمائهن وبياناتهن وتليفوناتهن على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الكشف عن تعرضهن للإصابة بفيروس كورونا؟! ما الغرض من هذا الفعل؟ أليس هذا الأمر يسيء إليهم وإلى أسرهم خصوصاً في ظل مجتمع لا يرحم؟

مَنْ فعل ذلك لابد أن يُعاقب. ومَنْ يتنمر عليهن كذلك. فإذا كنت أتفهم أن يخاف البعض من المرضى المصابين بالفيروس، لكني لا أجد أي مبرر لمن يتنمر ضد الأطباء أو أطقم التمريض، خصوصاً أنهم في العزل، ويكفي أنهم يُعانون مخاوف متعلقة بالإصابة.

المؤكد أن أي مصاب بالفيروس يحتاج للدعم النفسي وليس للتنمر، أو قول الأشياء اللا أخلاقية المتجردة من الإنسانية والتي قد تتسبب في انهيار جهازه المناعي، وقد تجعل كثيرين يُخفون إصابتهم وهذا ينجم عنه أضرار بالغة - خصوصاً للأصحاء - لأنهم سيتسببون في نقل العدوى لآخرين.

لكل ما سبق أُشدد على حملات التثقيف المجتمعي، وحلقات التوعية المباشرة مع الأهالي.

الأنانية وعدم تحمل المسئولية

يوم الجمعة وأنا أشاهد الشباب يجرون في الشوارع، ويجلسون فوق السيارات، ويتحركون ويمرحون، بدون أي مراعاة لمسافات التباعد الاجتماعي، بدون ارتداء أقنعة واقية أو كمامات، كأننا في ظل حياة عادية كنت أشعر بالخوف الشديد. وعندما شاهدت شبابا يقفون أمام بعض المطاعم يتناولون الساندوتشات، والناس تقيم الأفراح كأننا لا نعيش ظروف استثنائية في ظل حظر، كان عقلي يشرد بغضب وأُفكر فيما ينتظرنا في الأيام المقبلة، وأقول «يا رب استر، ولا تجعلنا نحفر مقابر جماعية.»

لكني أتساءل: كيف يهاجم الناس طاقم التمريض المُصاب؟ وكيف يهاجمون طبيبة الحميات بينما لا يتنمرون ضد هذه النوعية من الشباب اللا مسئول؟

المدهش أن كثيرين هاجموا فكرة عودة العمالة خوفاً عليهم وعلى أسرهم من العدوى، لكنهم لم يُهاجموا ولم ينتقدوا سلوكيات الناس غير المسئولة والتي إن لم تُقابل بحزم فإنها سوف تقودنا جميعاً إلى التهلكة، وإلي السيناريو الإيطالي مباشرة.

فهل تتذكرون ماذا حدث في إيطاليا.؟! أقصد عندما اعتقد العلماء والأطباء في البداية أن الفيروس لا يصيب إلا كبار السن؟! لقد خرج الشباب للعمل والسهر، ومارسوا الحياة العادية. اختلطوا بالمصابين، الذين لم يكن أغلبهم قد ظهرت عليه الأعراض بعد، عادة يتمتع الشباب بقوة الجهاز المناعي، حملوا هم أيضاً الفيروس دون أن تظهر عليهم أي علامات أو أعراض، ثم عادوا بها إلى أهلهم وأحبائهم، الذي تحولوا إلى جثث في توابيت أو كومة من الرماد بعد الحرق عندما نفدت المقابر.

وربنا يهدي الناس ويحمينا جميعاً.

إعلان