إعلان

الضرورة القصوى للحوكمة العالمية

د. غادة موسى

الضرورة القصوى للحوكمة العالمية

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

06:25 م السبت 14 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الأسواق تستطيع أن تنظم نفسها بنفسها ... التغير المناخي أمر بدَهيّ ... التطور التكنولوجي قادر على مجابهة كل أنواع المخاطر... العولمة لديها حلول لكافة المشكلات!

جميعها عبارات وتصريحات حملتها الكتب والمقالات الصحفية لأكثر من نصف عقد من الزمان، وحملت أدوات مقاومة أن ينتقدها أحد.

والمدهش أن منتقدي تلك المقولات "المقدسة" المعاصرين هم من البيئة الفكرية والجغرافية ذاتها التي سيطرت على بقاء تلك الأفكار واستمرارها...!

وعلى الرغم من اتفاق المجتمع الدولي على وجود ستة مجالات تتطلب- وبشكل مُلِحّ- وضع إطار لسياسات ونظم حوكمة عالمية، فإن ما تم في هذا الشأن نذر يسير.

وهذه المجالات هي: محاربة الفقر والقضاء عليه، وزيادة الشراكات والتعاون المالي، وتشجيع النمو التجاري وجعله أكثر عدلا، بالإضافة إلى الحد من الحرية الاقتصادية الزائدة، والعمل على حماية البيئة، بدفع الدول الصناعية على القيام بدورها، ومساعدة الدول النامية على مجابهة مشكلاتها البيئية كالتصحر والمجاعات.

إن المجالات السابقة تستدعي إدراك الشعوب والمتخصصين بضرورة صياغة نظام عالمي يراعي مصالح جميع الدول، من خلال ضمان الاتفاق على إجراءات تجعل من الجنوب والشمال شركاء، وتحد من التنافس المحموم بين شرق وغرب الكرة الأرضية.

ولعل الأحداث المؤسفة التي تجتاح العالم الآن تعطي الدفعة لمؤسسات ومنظمات الحوكمة العالمية وعلى رأسها أجهزة منظمة الأمم المتحدة، وفي مقدمتها منظمة العمل الدولية ومنظمة التجارة الدولية ومنظمة الصحة العالمية من جهة، ثم البنك الدولي من جهة أخرى في التفكير في آليات حفز النمو الاقتصادي والتبادل التجاري؛ بحيث لا يتم لصالح دول بعينها على حساب دول أخرى.

وفي الواقع، فإن نزعة الأنانية في تسيير النظام الدولي وحركة التجارة الدولية وتوزيع الثروات بما يعتريه من خلل وتضارب حرمت ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية ليس فقط من الموارد، ولكن حرمتهم أيضاً من الفرص. فرص الحركة وتوافر مساحة للتنافس. ووصل إلى درجة تغليب مصالح حكومات ونظم سياسية على مصالح شعوب وفئات. ولا أدل على ذلك من عجز دول العالم من مناصري مقولات السوق التي تنظم نفسها بنفسها ودعاة الحرية الاقتصادية المفرطة عن مجابهة وباء (كوفيد - ١٩) والمعروف باسم كورونا.

وفي سبيل المناصرة والتأييد اللامحدود لتلك الأفكار قد يصبح علاج هذه الأوبئة محلاً للمساومات السياسية. فإذا كان هناك احتمال- ولو ضعيفاً- بأن انتشار بعض الأوبئة والفيروسات منذ وباء "سارس" هو نتاج تنافس سياسي - اقتصادي، فبالتبعية قد يكون القضاء على تلك الأوبئة بإنتاج أمصال أو لقاحات محلاً للاحتكار والمفاوضات السياسية، ما لم ينتقل الفيروس عبر الهواء.

وفي هذا المقام يصبح التساؤل عن دور مؤسسات الحوكمة العالمية في كسر هذه المساومات والاحتكارات لصالح إنقاذ الحرث والنسل أمرا مشروعاً؛ إذ من الصعب الاستمرار في إدارة وتسيير حركة النظام الدولي على هذا النحو "اللامعقول"، والذي يكلف البشرية أثمانا باهظة لا يعوضها أيٌ من المقولات أو الأفكار الصنمية السابقة.

كذلك، فإنه مع انتشار تقنيات الإعلام المجتمعي اتضحت الفجوة بشكل لا يقبل الشك بين إرادة الشعوب في التوجه نحو صياغة قيم عالمية ترتكز على الاعتماد المتبادل والانفتاح على الآخر والمساواة في التعاملات الدولية والتعرف على ثقافات الاخر واستيعابها قدر الإمكان، وبين إرادة بعض الأنظمة السياسية في العالم التي ما زالت لا تعبأ بأن تدفع شعوب العالم فاتورة أفكارها ورُؤاها وتوجهاتها التي تم إثبات أنها والعدم سواء.

إعلان