إعلان

علاء الغطريفي يكتب: نيويورك تايمز.. كيف تجلب الحكمة والخبز معا؟

علاء الغطريفي رئيس التحرير التنفيذي لمؤسسة أونا

علاء الغطريفي يكتب: نيويورك تايمز.. كيف تجلب الحكمة والخبز معا؟

علاء الغطريفي
04:46 م السبت 08 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قبل أكثر من 2500 عام، قالت زوجة سقراط عن زوجها: "كان يجلب للبيت حكمة أكثر مما جلب من الخبز"، وهذا المأزق الذي عبرت عنه الزوجة سليطة اللسان لا يختلف كثيرا عن مأساة مؤسسات الإعلام بين المنتجات الفكرية التي تقدمها للجمهور وسعيها للربح من أجل البقاء.

في الإعلام يجلبون الحكمة، ولكنهم يريدون الخبز أيضا، ومن ثم الأمر بمثابة صعود جبل، مثلما فعل سيزيف وهو يحمل صخرته والتي تعاود السقوط ليرفعها من جديد.

لم تفارقني هذه الصورة عند قراءة خبر ارتفاع أرباح نيويورك تايمز، الصحيفة الأمريكية العريقة، فقد حققت 24% زيادة في أرباحها، مقارنة بالعام الماضي، والذي يقود النمو نسختها الإلكترونية، ولذا قررت رفع سعر اشتراكها من 15 إلى 17 دولارا.

الصحيفة كانت من أُوليات الصحف التي أطلقت خدمة الاشتراك الرقمي، في توقيت لم يكن فيه القراء معتادين على الدفع مقابل المحتوى الرقمي. وقفزت أرباحها خلال عامي 2017 و2018، إلى 401 مليون دولار. ولديها حاليا 4 ملايين مشترك رقمي، وتهدف إلى زيادة العدد إلى 10 ملايين عام 2025 .

inside-photo-temp

هناك دروس مما أنجزته الصحيفة في عالم يتداعى فيه المطبوع وتخسر فيه مؤسسات الإعلام:

-الحرية والخدمة الجيدة والثقة والاعتمادية من قبل الجمهور هي الشروط التي يتحقق بها الانتشار ثم التأثير، وبالتالي تزيد معها الأرباح.
- إعلان جديد عن قرب نهاية الصحافة المطبوعة في العالم (أراها انتهت في منطقتنا)، فالنمو في الإيرادات والأرباح كان محركه الأساسي النسخة الرقمية، في ظل تناقص أعداد المشتركين في النسخة المطبوعة.

- مفهوم الاستفادة من تلاقى الوسائط هو الحل لبقاء مؤسسات الإعلام، أي الربط بين منصاتك المتعددة واحترام فلسفة وإمكانات كل وسيط، ومن ثم تنوع الخدمات المقدمة سواء للاشتراكات الرقمية والمطبوعة للمؤسسة.

- ربط النسخ الإلكترونية والمطبوعة للمؤسسات الصحفية يمكن أن يكون سبيلا للأرباح، ولكن في عالم تصلح فيه فكرة الدفع مقابل الخدمة، والمشروطة أيضا بتقديم إعلام مهني حر يلتزم بالمعايير ويخدم الجمهور.

- الإعلام يحتاج لتخطيط استراتيجي وتفكير دائم ومتجدد في التحدي التكنولوجي وتغير عادات الجمهور وتفضيلاته، فلا بد أن تعرف جمهورك ولا تلقِ بمنتجاتك في مهب الريح.
- أي صيغ إعلامية تبتعد عن الجمهور هي صيغ تلفيقية سيعاقبها المتلقي، ومآلها الإغلاق أو إعادة إنتاج الفشل.

- العمق والمتعة اللذان تقدمهما نيويورك تايمز هما ما أقنع الجمهور بمحتواها، فدفع من أجل الحصول عليه؛ ففي إبريل الماضي، فازت بجائزتي بوليتزر في الصحافة، منها قصة معمقة عن ثروة عائلة ترامب، هذا فضلا عن تنوع المنتجات والاستفادة من التكنولوجيا في إنتاج محتوى متطور.

- الزيادة في الاستثمارات العام الماضي كانت موجهة لدعم غرفة الأخبار وإدارات الرأي في الصحيفة وتعزيز الصحافة المرئية ومنصات التواصل، التي يهتم بها الشباب مثل سناب شات.

- النجاح الذى تحقق يفسره رئيسها التنفيذي "مارك تومبسون" بقوله: "المهمة التي قادت العمل كانت تقديم صحافة رائعة للعالم" وإن استراتيجيتهم الرقمية رسخت ذلك، ووضعته في اعتبارها حتى في قراراتها الاستثمارية.

- مشوار الصحيفة في التطوير بدأ قبل سنوات، فقرار الدفع في مقابل الحصول على نسختها الإلكترونية كان قبل 9 سنوات، واليوم قررت رفعه بعد أن ظل ثابتا منذ عام 2011.

- الصحيفة ترسخ وجودها في السوق الأمريكية، على الرُّغم من أن رأس السلطة "ترامب" ألغى اشتراك البيت الأبيض فيها مع واشنطن بوست، لأنهما تنتقدان سياساته وإجراءاته.

- بناء السمعة والأرباح قصة طويلة عنوانها الجهد والإيمان بالمهنة وتحكمها رؤية وأهداف واضحة.

الحكمة والخبز يجتمعان إذا توفرت الإرادة مع العلم والاحترافية...! فالإعلام ليس هواية.

إعلان