إعلان

نظرية التأمين الصحي الشامل

د. غادة موسى

نظرية التأمين الصحي الشامل

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 26 ديسمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الأمر لا يتعلق فقط بفيروس كورونا الذي ما زال يصاحبنا منذ عام أو أكثر. وعلى الرغم من الألم الذي اعتصر قلوبنا عندما قرأنا عن أساتذة جامعيين تأمينهم الصحي لم يكن كافيا لتغطية علاج كورونا، فعادوا من حيث أتوا، فإن نظرية التأمين الصحي وفلسفته تتعدى الأمور المالية والإدارية إلى فلسفتي الحق والواجب والتنمية.

فحق الإنسان في الصحة والحياة أسمى الحقوق قاطبة ولا أحد يستطيع إنكار أن الدولة تحاول وتحاول، وتبذل ما تستطيع لتوفير الرعاية الصحية والتطعيمات والأمصال، سواء في إطار مبادرات مثل مبادرة السيد الرئيس "١٠٠ مليون صحة" أو من خلال سياسات وزارة الصحة، ولكن تظل مسألة شمول الحقوق والاستدامة وإدارتهما تحدياً كبيراً.

صحيح أن التكلفة المالية ضخمة، لكنها مستحقة. نحن مجتمعٌ شابٌ، ولسنا كالمجتمعات الأوروبية التي يصل متوسط أعمار سكانها إلى ٤٢ عاماً، وبالتالي يصبح لدينا ميزة نسبية يراها بعض المسئولين عبئاً، لدينا مجتمع شاب يجب أن يتمتع بصحة جيدة حتى يتمكن من الاضطلاع بواجبات التعليم والعمل والإنتاج والابتكار، وهذا المجتمع الشاب يحتاج إلى رعاية صحية مبكرة، فصحة الشباب مهمة كما هي صحة الكبار. ومن ثم أرى أن مشروع التأمين الصحي الشامل أولوية قصوى، أكدته ظروف جائحة كورونا، فأين وصلنا في هذا المشروع؟

كل ما توافر لديّ من معلومات هو تسجيل بيانات الأسر للتعرف على تاريخها المرضي لتحديد طبيب "أسرة" للمتابعة الصحية- أي أننا في مرحلة إدخال البيانات.. جيد جدًا، ولكن متى تنتهي تلك المرحلة؟ ومتى التطبيق؟ وكيف ستُربط قواعد بيانات الأسر بالمستشفيات بالصيدليات؟ وماذا عن حماية تلك البيانات؛ بحيث لا نتعرض لما تعرضت له بريطانيا منذ عدة أعوام من سرقة سجلات مرضاها بفعل عملية قرصنة معلوماتية؟!

لذلك أؤكد أن نظرية التأمين الصحي الشامل إذا ما نظرنا لها من جانب حقوقي تنموي فسوف نُسرع في الانتهاء من هذا المشروع، وبالنسبة للتكلفة المالية، فالحفاظ على صحة البشر أولوية في الاستراتيجية الأممية للتنمية المستدامة ٢٠٣٠، مثلما هي منصوص عليها في استراتيجية مصر للتنمية المستدامة ٢٠٣٠.

وبالتالي يمكن- إلى جانب مواردنا المالية المحلية- أن ننشط جهودنا الدبلوماسية في استقطاب المنح الدولية، وأن نحرص على أن يكون لنا نصيب في "تمويل التعافي من تداعيات الفيروس" التي سيخصصها المجتمع الدولي للعديد من الدول، وبشكل خاص الدول النامية.

أما بالنسبة لمؤسستنا التشريعية "مجلس النواب" فبدلاً من أن يفكر نوابنا الأفاضل في فرض غرامات على التستر على مرضى كورونا أو الامتناع عن أخذ الأمصال، فلديهم مهمة وطنية أسمى وأكثر أهمية، وهي متابعة أين وصلنا في مشروع التأمين الصحي الشامل لننتهي منه في أسرع وقت ممكن، حتى تتحقق الاستفادة للجميع. والأهم حتى يعيش الجميع مطمئناً وآمناً أن يجدوا علاجا ورعاية صحية تحفظ لهم ولأسرتهم كرامتهم.

أخيراً وليس آخراً، كنت قبل ٢٠١٠ في زيارة رسمية مع أحد الوزراء المحترمين إلى دولة النمسا، وتم ترتيب اجتماع مع وزيرة الصحة لتطلعنا على تجربتها في الانتهاء من مشروع الرعاية الصحية قبل الموعد المحدد، وكيفية حصولها على ثقة البرلمان النمساوي. وكان الحديث شيقا ومفيداً للغاية. وقد قامت بإهدائنا كارت الرعاية الصحية. وهو كارت ذكي تتجمع فيه كل بيانات المواطن الصحية في ربط بقواعد بيانات أخرى.

ومع مطلع العام الجديد 2021، أدعو الله أن تكون الأولوية لدى المسئولين والمبتكرين ‏في ٢٠٢١ هي الانتهاء من مشروع التأمين الصحي الشامل المرتكز على نظريتي الحقوق والتنمية.

إعلان