إعلان

جاجارين رمزًا للصداقة المصرية الروسية.. والسينما غائبة

د. أمــل الجمل

جاجارين رمزًا للصداقة المصرية الروسية.. والسينما غائبة

07:00 م الجمعة 02 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أسعدني الحظ، قبل سفري بساعات قليلة إلى مهرجان موسكو السينمائي الدولي الثاني والأربعين، أن أحضر اللقاء المصري الروسي الذي استضافته وكالة الفضاء المصرية بمناسبة إزاحة الستار عن تمثال يوري جاجارين أول رائد فضاء في التاريخ -١٢ أبريل ١٩٦١- وهو تمثال نصفي برونزي قيم -للنحات الروسي أليكسي ليونوف- بل مقطوعة نحتية بالغة الجمال تُشْعرَك وأنت تتأملها بهموم وهواجس رجل الفضاء العظيم من نظرة عينيه التي تكاد تنطق، وتفاصيل وجهه المعبرة بقوة.

التمثال أهدته الحكومة الروسية إلى مصر، بمناسبة مرور ٧٧ عامًا على العلاقات بين البلدين، واعتبار ٢٠٢٠ عام الصداقة والتعاون الإنساني بينهما، والذي سيمتد حتى ٢٠٢١؛ لتعويض تعطل الفعاليات بسبب ما أحدثته جائحة كورونا.

عن السينما وزيارة جاجارين لمصر

أسعدني التواجد للمرة الأولى في وكالة الفضاء المصرية، خصوصًا في ظل الاستماع للجهود المبذولة من طاقهما تحت إشراف الدكتور محمد القوصي الرئيس التنفيذي للوكالة، والتعاون بينها وبين الجامعات والجهات العلمية في مصر، وخارجها، والأقمار الصناعية التي أطلقتها من دون ضجيج إعلامي أو دعاية كافية بينما دول أخرى عندما أطلقت قمرًا صناعيًا واحدًا بمساعدة أجنبية بالكامل كرست الماكينة الإعلامية لخدمتها.

من أجمل الأشياء في ذلك اليوم عرض فيلم تسجيلي قصير باللغة العربية عن زيارة جاجارين إلي مصر، وخطابه في جامعة القاهرة، وحضوره عددًا من الفعاليات الأخرى، ثم تكريمه بقلادة النيل من الرئيس جمال عبدالناصر. ثم التجول بين مجموعة من الصور الفوتوغرافية لإنجازات الفضاء السوفيتي والروسي، ودور النساء في ذلك.

المفاجأة المدهشة لي -بعد هذا الإعلان عن التعاون الثقافي والإنساني أثناء تلك المراسم التي أشرف عليها كل من المركز الروسي للثقافة والعلم في القاهرة بالتعاون مع المؤسسة الدولية "حوار الحضارات"، ووكالة الفضاء المصرية- أن السينما العربية، وليست المصرية فقط، غائبة عن مهرجان موسكو السينمائي منذ سنوات، وربما عقود. أقول هذا بمناسبة انعقاد هذا المهرجان السينمائي المهم الذي افتتح فعالياته مساء اليوم بالفيلم التاريخي الرومانسي "الزلاجات الفضية"، حيث تمتد عروض الأفلام حتى الثامن من ذات الشهر، وهو ما يستدعي عشرات من علامات الاستفهام؟!

تجربة "الناس والنيل" المؤلمة

الدهشة ليس مصدرها الغياب وفقط، لكن لأن هناك تواصلًا مصريًا روسيًا تقريبًا في كافة المجالات، فلماذا تم استثناء السينما؟، أُدرك تمامًا وأتفهم أنه لو كان الحديث عن تجارب إنتاج مشترك بين البلدين ربما سيكون الأمر غير مرحب به بسبب تجربة سابقة في الستينيات لا يتذكرها إلا القليلون، وأقصد بها تجربة "النيل والحياة"، ثم النسخة المعدلة من ذات الفيلم والتي تحمل عنوان "الناس والنيل". أخرج النسختين يوسف شاهين، وكانت إنتاجًا مشتركًا بين البلدين بمناسبة مشروع حفر وإقامة السد العالي.

كانت مشكلة الفيلم أن اثنين من كتاب السيناريو اشتركا في كتابته. أحدهما مصري والثاني من الاتحاد السوفيتي. لم تكن الشراكة هنا بالمعنى الجيد، أو الإيجابي. وشخصيًا أعتقد أن تأثير يوسف شاهين كان قويًا على الكاتب المصري، فبينما ذكر الكتب الروسي كل المحاسن والأشياء الإيجابية والنضالية من تاريخ بلاده، وعظمتها، اختار يوسف شاهين أن يمارس النقد الاجتماعي والسياسي، فكانت النتيجة أن الفيلم بدا وكأنه يقارن بين شعبين وبلدين، فقدم أحدهما على أنه وطن له تاريخ وحضارة عريقة، والآخر على النقيض تمامًا.

بالطبع تلك النتيجة جعلت النقاد والمفكرين والكتاب المصريين الذين حضروا العرض الخاص للفيلم يعترضون عليه بشدة، ويهاجمونه، ويطالبون بمنع عرضه، ووصل الأمر للمحاكم، وفي نهاية المطاف تمت كتابة سيناريو جديد، حيث تمت الاستعانة بمشاهد من النسخة الأولى وتم ترشيح أبطال جدد، فقامت سعاد حسني بالبطولة وأُعيد تصوير كثير من المشاهد الجديدة، حتى رضى المصريون عن نسخة العمل الجديدة.

لكن تلك التجربة لم تكن مشجعة على الإطلاق لاستئناف أي إنتاج سينمائي مشترك بين البلدين، بينما كانت هناك شراكة مصرية مستمرة مع فرنسا على سبيل المثال. مع ذلك لم تتوقف أسابيع الأفلام المصرية هناك، والمنح الدراسية، وسافر عشرات الطلاب من مصر إلى الاتحاد السوفيتي، ولم يقتصر الأمر على السد العالي، بل ساعد آلاف الخبراء السوفييت في إنشاء المؤسسات الإنتاجية في مصر، من بينها مصنع الحديد والصلب في حلوان، ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي، ومد الخطوط الكهربائية أسوان – الإسكندرية، فقد تم إنجاز ٩٧ مشروعًا صناعيًا بمساهمة الاتحاد السوفيتي، وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينيات بأسلحة سوفيتية. لكن ما إن جاء عصر السادات حتى ارتبكت العلاقات وتوقفت، ولم يتم استئنافها إلا عام ١٩٨٨.

أسباب الغياب؟!

إذن عادت العلاقات الثقافية بين البلدين وذلك بفضل استئناف العلاقات السياسية بقوة ودور الرئيس عبدالفتاح السيسي في ذلك واضحًا. هناك أيضًا مشروع ثقافي جديد لتقوية ودعم العلاقات بينهما، ما يجعلنا نتساءل عن الغياب الآني للسينما المصرية عن مهرجان موسكو السينمائي الدولي؟ وكذلك عن الفعاليات الأخرى في روسيا؟!، فهل يمكن التعويض في دورة العام المقبل؟!

هل الغياب ناجم عن التقصير من جانب صناع السينما المصريين، أم أن القائمين على تنظيم مهرجان موسكو السينمائي العريق غير مهتمين بصناعة السينما وجديدها في المنطقة العربية؟! لماذا نجد مهرجانًا آخر هو مهرجان كارلوفي فاري -وهو مهرجان كبير وعريق أيضًا- قد اهتم بالمنطقة العربية مؤخرًا حتى أنه قبل عامين خصص احتفالية كبيرة لأفلام يوسف شاهين وأقام ندوة على شرفه شارك فيها الكثير من الطلاب والمهتمين بالسينما.

مثلما قام المهرجان ذاته بتعديل البعد الجغرافي لأحد مسابقاته حتى يُتاح للمنطقة العربية أن تشارك بأفلامها؟ هل يتطلب الأمر ضرورة وجود شخص عربي يستعين به مهرجان موسكو ليختار الأفلام ويوضح أهمية التطور الحادث على الساحة العربية؟، أم أن الأمر قد يتطلب التعاون بين منظمي المهرجان الروسي العريق، وبين المركز الثقافي الروسي بالقاهرة ومدير أنشطته الثقافية شريف جاد للتنسيق، وبحث سبل عودة السينما المصرية إلي دور السينما في روسيا، فأنا أتذكر ما قاله الراحل الدكتور محمد كامل القليوبي عن عرض أفلام حسن الإمام في الاتحاد السوفيتي وتحقيقها إيرادات مرتفعة في السبعينيات من القرن الماضي.

محاكاة قصور الثقافة

فلماذا لا نهتم بهذا السوق الكبير الفاعل؟!، وعلينا أن نتذكر أن لدينا تاريخًا جيدًا للعلاقات يسمح بعودة هذا التعاون الثقافي بين البلدين، والذي كان من أبرز نتائجه إنشاء قصور الثقافة، وهي الفكرة التي أُعجب بها الرئيس جمال عبدالناصر حين زار الاتحاد السوفيتي، وطلب محاكاتها في مصر، فانتشرت تلك القصور والمراكز بكافة أنحاء الجمهورية، حتى في القُرى النائية، كذلك عندما رأي ناصر أكاديمية الفنون السوفيتية، فحرص على أن تكون لمصر أكاديمية مثيلة، وكذلك المعهد العالي للموسيقى "الكونسرفتوار"، والذي كان أول عميد له سوفيتيًا، جاء إلى مصر، وأحضر معه العديد من الآلات الموسيقية، لتشهد الموسيقى في مصر نقلة مختلفة.

هذا تاريخ مهم يُمكن البناء عليه، وشخصيًا أعلم أن هناك استعدادات كثيرة على كافة الأصعدة للاحتفال بعام الصداقة والتعاون المصري الروسي، ومنها إصدار خمسين كتابًا وترجمتها إلى الروسية، وهي فكرة وجيهة وسديدة، فأرجو من السادة القائمين على السينما، وبشكل خاص أتمنى من السيدة الفنانة وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم أن تجعل للسينما المصرية حظًا ونصيبًا من تلك العلاقات، ولعلها تكون السبب في إعادة السينما المصرية لدور العرض الروسية. فأتمنى أن ننتبه للسينما وتذكروا أن فصلًا مهما من السينما المصرية تأثر بالرمزية الروسية وفي مقدمة هذا الفصل يأتي رائد الواقعية صلاح أبوسيف والذي تم الاحتفاء به من قبل في ألمانيا وإيطاليا وغيرهما من الدول. فأرجو أن تمنحوا الفن السابع فرصة من المشروعات المشتركة بين البلدين، فقد فتح المفاعل النووي في الضبعة بوابة ذهبية يجب على المهتمين بالسينما الاستفادة منها، وبذل مزيد من الجهود والمناقشات للقضايا وبحث حلول لتعميق التعاون الروسي المصري في هذا المجال الثقافي الفني الحيوي.

إعلان