إعلان

أين أحمد حلمي من اللغط والشائعات وتسريب «خيال مآتة»؟!

د. أمل الجمل

أين أحمد حلمي من اللغط والشائعات وتسريب «خيال مآتة»؟!

د. أمل الجمل
09:16 م الأحد 18 أغسطس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بذائقتي الشخصية، أُقيّم أفلام العيد كالتالي: «الفيل الأزرق٢» الذي كتبت عنه نقداً بموقع مصراوي بتاريخ الأحد ٤ أغسطس، ثم أضع في الترتيب الثاني فيلم «خيال مآتة»، بعده يأتي فيلم «ولاد رزق٢»، وأخيراً «الكنز٢»، مع مراعاة أني أُفضل الأجزاء الأولى من أفلام السلسلة. الأجزاء الأولى كانت أقوى درامياً، في البناء، في الحبكة، في تقديم أحداث ورسم تفاصيل الشخصيات بجاذبية وثراء. رغم أنه تقنيا وعلى مستوى الصورة والحركة والتجربة البصرية هناك تقدم وتطور أفضل بـ«الفيل الأزرق٢»، وكذلك «ولاد رزق٢».

أما «الكنز»، فأصلا لا يُمكن اعتباره جزءًا ثانيًا؛ لأنه استكمال للجزء الأول الطويل الذي كان من الصعب عرضه دفعة واحدة، رغم أن ذلك يحدث في دول أخرى، فهناك أفلام مدتها أربع أو خمس ساعات، وأحياناً ٨ ساعات، ويتم عرضها دفعة واحدة.

أعترف أني شاهدت «خيال مآتة» مرتين. كانت المرة الأولي بقاعة عرض سينمائي يوم الجمعة الماضي. القاعة لم تكن ممتلئة تماماً. تقريباً ثلاثة أرباعها. كان سادس أيام العيد. حفلة الثانية عشرة والنصف ظهراً. عدد غير قليل من الأطفال مختلفي الأعمار كانوا متواجدين بصحبة أسرهم.

الأطفال وحلمي

طبعاً عارفين قصة الطفل الذي ضحك وقال بصوت عالٍ «بُصوا.. الملك عريان»، بينما كان الجميع من الكبار، سواء من الشعب أو الحاشية، وحتى الترزي الماكر وأعوانه يدعون أن الملك يرتدي زياً رائعاً لم يرتده أحد من قبل.

تذكرت القصة وأنا أشاهد فيلم «خيال مآتة» في إحدى قاعات أشهر مجمع للسينما بمدينة الشيخ زايد. دخلت القاعة أثناء الدقيقة الأولى من تتر البداية. قوة إضاءة الشاشة مع الدخول الأولي لظلام القاعة منعتني من تبين الجمهور لبعض الوقت، خصوصا مع وجود مشكلة نظر في عيني حيث أُصاب بما يُشبه العمى المؤقت مع تسليط الضوء القوي.

لذلك لم أتبين وجود الأطفال إلا عندما بدأت أستمع لضحكاتهم تتردد في جنبات القاعة بين حين وآخر. فرحت. عادة الحفلات التي يتواجد بها الأطفال تكون مزعجة جداً لي، وأعاني من عدم التركيز مع الفيلم بسبب تعليقاتهم وثرثرتهم. لكن مع «خيال مآتة» لم يحدث هذا أبدًا، باستثناء أن زوجة وابنها ضحكا عالياً عندما اكتشفا في نهاية الفيلم أن الأب قد نام، بينما ظل الرجل يُنكر ذلك بخجل شديد.

أما مشاهدتي الثانية للفيلم، فعندما كنت أحاول التأكد من خبر تسريب نسخة منه بجودة عالية على مواقع الإنترنت. وجدته فعلاً، ورغم أني شاهدته قبلها بيوم واحد، وقلت لنفسي حينذاك: «لطيف، واستمتعت به، لم أتضايق من بعض التطويل أحياناً، إلى جانب ملاحظات أخرى، لكن أكيد لن أعيد مشاهدته تاني». مع ذلك وجدتني أتورط في مشاهدته ثانية، ووجدته لا يزال لطيفاً.

هجوم غير مفهوم!

لذلك، ما زلت مندهشة لحملة الهجوم غير المنطقي- والذي يبدو لي ممنهجاً- على «خيال مآتة»، خصوصاً من عدد من الصحفيين والنقاد الذين وصفوه بالفنكوش، والممل، والمهلهل، وبأنه يُعاني من فوضى السرد، وأن حلمي أصابته الشيخوخة، وأن الأحداث غير منطقية.

طيب وهو إيه المنطقي في الأفلام الأخرى؟ وهل حقاً الفيلم مهلهل وممل، ووحش قوي كما وصفه أحد المتنكرين على مواقع التواصل الاجتماعي؟

وأغرب من ذلك هو التساهل والصمت على تسريب نسخة من هذا الفيلم تحديداً، في حين مثلاً لم يتم تسريب أي نسخ- سواء جيدة أو رديئة- من «ولاد رزق٢، ولا من «الفيل الأزرق٢».

صحيح أنه لم يتم تسريب نسخة أيضاً من «الكنز»، لكن هذا الأخير معروف ومحسوم أمره مسبقاً أنه لن يبرح المكان الأخير بين الأربعة.

أما «خيال مآتة»، فرغم أنه خالِ من الأكشن والتشويق والعنف والبطولة الجماعية لعدد كبير من النجوم الجاذبة من الشباب، ورغم أنه أيضاً خالٍ من الألفاظ المبتذلة الجاذبة لشريحة لا يُستهان بها من الجمهور، ورغم أنه لا يُهين المرأة كلما استطاع كما يفعل أحد الفيلمين الآخرين، ورغم بساطته وأجواء الستينيات الهادئة، بإيقاع متمهل متروٍ، والذي اعتبره البعض مملًا، مع كل ما سبق كان «خيال مآتة» يُشكل خطراً على الفيلمين الآخرين، وكان سيتقاسم معهما الإيرادات ويسحب من رصيدهما، فلما يُقال عن فيلم منهما إنه حصد ٥٠ مليونًا غير ما يكون حصد ٣٥ مليونًا.

تسريب ممنهج

بعيداً عن تعطيل- أو منع- عرض الفيلم في اليوم الأول للعيد، والناس التي ذهبت- وكثير منهم كانوا قد اشتروا تذكرة فيلم أحمد حلمي- لكنهم في دار العرض اكتشفوا أن الفيلم لم يُعرض، وتم استبدال التذاكر لفيلم «ولاد رزق٢».

فاكرين طبعاً وقت عرض المسلسلات أثناء الشهر الكريم ماذا حدث؟! أقصد المنع القوي لتسريب أي حلقات من المسلسلات التلفزيونية من أجل أن تتم مشاهدتها بمقابل مادي.

السؤال الآن: لماذا تم السماح بتسريب فيلم أحمد حلمي بعد ٤٨ ساعة فقط من بدء عرضه؟! هل لأنه حقق ٦ ملايين في أول وثاني أيامه، وشهد إقبالا جماهيريا رغم الإشاعة بسرقة الفكرة؟!

لماذا لم يتم تطبيق نفس تلك الرقابة الصارمة التي تم تطبيقها بشهر رمضان، وأثبتت فعالية غير عادية- على مواقع الإنترنت لمنع تسريب الفيلم؟!

طيب؛ حصل التسريب فعلاً، وتم اكتشافه، فلماذا عندما تم التسريب لم يتم التعامل معه بحزم وتم رفع النسخ المُسربة وحجب إذاعتها، وتعطيل تشغيلها؟!

لماذا عندما يكون هناك فيديو جنسي قام بدوره، وانتهى الغرض منه يتم رفعه وحجبه بعد أن تنتهي مهمته، أو أي فيديو آخر يرغبون في رفعه يحدث ذلك؟

لو افترضنا عدم وجود نية سيئة مُبيتة لفيلم أحمد حلمي، لو نحينا جانباً نظرية المؤامرة، لماذا خرجت شائعات تقول: «إن الفيلم تم رفعه من دور العرض، لأنه لا يحقق إيرادات؟»، مع العلم ووفقاً لما نشره مصراوي يوم ١٥ أغسطس، فالفيلم كان لايزال يحقق إيرادات عالية رغم تسريب نسخ منه. صحيح في اليوم الرابع انتقل للمركز الثالث بدل الثاني، لكنه ظل يحقق إيرادات مرتفعة تجاوزت أربعة ملايين، فماذا يا ترى كان سيحقق الفيلم لو لم يتم التسريب؟!

رصيد حلمي ومنى

أنا شخصياً لا أدري مدى صدق الشائعة والأقاويل التي ادعت أن فكرة فيلم «خيال مآتة» مسروقة. لا دليل قويًا واضحًا يؤكد أو ينفي تماماً. لم أقرأ أي تكذيب من حلمي أو من مؤلف العمل الكاتب الكبير عبدالرحيم كمال.

لو كانت الشائعة صحيحة، كما ادعت الفتاة، أنها تواصلت مع منى زكي، وتم اللقاء وعرض الفكرة- حتى لو كان هناك خيط رفيع جدا تم استلهامه من فكرة هذه الفتاة- فهذا يسحب من رصيد حلمي ومنى بكل تأكيد، لأنه لو كانت صاحبة الفكرة فتاة شابة غير معروفة فمن الضروري أن تحصل على حقها الأدبي والمادي، مثلما يحدث مع الكتاب الكبار عندما يُكتب اسمهم على التتر بأنهم أصحاب القصة أو الفكرة. ويجب على حلمي أن يعتذر فوراً، وهذا لن يقلل منه.

أحكام ضد الفيلم

والآن: هل فعلاً الفيلم مهلهل أو يعاني من فوضى السرد؟!

طيب بداية؛ كلمة «فوضى» تعني أن كل شخص يتصرف فيما يريد كما يريد ومن دون مبالاة، وأن الأحداث لا رابط منتظمًا يحكمها، فهل هذا ينطبق على فيلم «خيال مآتة»؟

بالطبع لا. الفيلم محكم الصنع، والكتابة جيدة حتى لو كان به بعض التطويل في عدد من المشاهد وبعض الحكم المبالغ فيها، كما أن الإيقاع المتروي مقصود لأن المفروض أن أجزاءً منه تدور في عصر الستينيات، وجزءًا آخر من هذا الإيقاع المتمهل متعلق بشخصية البطل الرجل المسن الذي بلغ الثمانين، فلا بد أن يسير، ويتحدث، ويتحرك بإيقاع محدد

الفيلم فيه بطل رئيسي اسمه يكن. هو شخص بخيل ذو عقل شيطاني، يدبر جرائم سرقة من التراث والتاريخ.

يكن كان مجرد إنسان بسيط ليس معه أموال ليشتري شبكة لحبيبته، ويجلس على كافتيريا يخطط جرائمه من هناك، ثم أصبح يمتلك الكافتيريا وفوقها نحو ١٢ مليون دولار، بعد أن انضم لأعضاء تنظيم «الكيان» النهاب لكل عمل ذي قيمة تاريخية ومادية، وبسبب هذا الكيان خسر الإنسانة التي أحبها لأنه خدعها.

يكن هذا لديه حفيد اسمه زيزو، الاثنان يكرهان بعضهما، لكن الرجل الثمانيني يحتاج إلى مساعدة حفيده الذي يُشبهه لاستعادة بروش الست أم كلثوم الذي سرقه في الستينيات والذي يتنافس عليه اثنان من ذوي الثروات.

بالفيلم نعلم جيدا، ونرى أن يكن هو المخطط والمدبر والذي يُحرك الجميع من حوله رغم أنه يستعين بهم. فهل بعد ذلك يمكن وصف السرد بالفوضى؟

صحيح هناك قفزة زمنية من الستينيات إلى الحاضر، لكنها مفهومة تماماً، وهناك في مرحلة ما إعادة تمثيل للماضي، لكن أيضاً مفهوم تماماً أن هذا تمثيل لإحياء وإنعاش ذاكرة خليل، صديق يكن.

صحيح الفيلم به أبطال مثل عبد الرحمن أبو زهرة، وإنعام سالوسة، ورشوان توفيق، ولطفي لبيب لم يتم استغلالهم، لكن السؤال لو تم تكبير مساحتهم وأدوراهم هل كان السرد سيسير في نفس الاتجاه، أم كان سيأخذ الفيلم لمنطقة أخرى، ويتحول العمل لفيلم آخر؟!

وأخيراً هل كان فيه ضرورة بفيلم «خيال مآتة» أن يقوم أحمد حلمي بدورين؟!

نعم، كان ضروريا؛ فهناك مبرر درامي، لأن هذه الثقة التي استعادها من صديقه خليل الذي يقوم بدوره حسن حسني، والذي توقف به الزمن، وتوقفت ذاكرته عند يوم معين من الستينيات لما كان في الثلاثين من عمره بينما الآن في الثمانين- لم تكن لتحدث إلا بوجود الحفيد الذي يكاد يكون نسخة طبق الأصل من جده في سن شبابه.

أخيراً برافو خالد مرعي؛ على كثير من تفاصيل الفيلم بجوه الساحر في التصوير لأجواء الستينيات، سواء في المشاهد التي من المفروض أنها حقيقية، أو تلك المُعاد تمثيلها.

برافو خالد داغر؛ على الموسيقى التي جعلتنا نصدق ونعايش الحالة.

برافو خالد مرعي؛ على إخراج المشاهد التي تجمع بين الجد والحفيد الذي يقوم بهما أحمد حلمي بمهارة أدائية واضحة وبإيماءات جسدية صادقة في الحركة وتون الصوت ومستواه المختلف بين الشخصيتين.

برافو منة شلبي، وخالد الصاوي، وبيومي فؤاد.

إعلان