إعلان

 استدعاء الشيخوخة.. رذالة بصراحة !

محمد حسن الألفي

استدعاء الشيخوخة.. رذالة بصراحة !

محمد حسن الألفي
09:00 م الثلاثاء 16 يوليه 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

محمد حسن الألفي

ما الفرق بين مدمن المخدرات بأنواعها ومدمن الإنترنت، وبالذات فيسبوك وتويتر وإنستجرام؟ هناك فارق حاسم وهو أنك حين تشترى المخدرات، فإنك تدفع المال، وحين لا تجده، فإنك تبيع لحمك وشرفك إرضاء للوحش الذي يسرى في مخك، يسكنه، أما حين تدخل على المنصات الرقمية السابقة، فإنك ليس فقط تبيع لحمك، بل تبيع لحم زوجتك وبناتك وأبنائك وأصدقائك، وأنت تفعل ذلك طوعا وبسهولة وبموافقتك مستسلما، تلمس كلمة accept فتحظى باستخدام تطبيق محدد استهواك.

كلنا لمسنا، وضغطنا كلمة أوافق، بيننا هنالك إله صامت، كلي، سري ساكن في كاليفورنيا أو بطرسبرج الروسية أو في بكين، وأتباع له من الهاكرز في مانيلا بالفلبين وأستراليا، يجمع ملايين الملايين من المعلومات الشخصية ويتم تصنيفها جغرافيًا ثم حسب النوع، ذكرًا أو أنثى، ثم فئويا، وعرقيا، ثم مهنيا، ووفق درجات الثراء.

أخطر فرز وتصنيف ما كان مهنيا، له صلة بحسابات ضباط شرطة أو ضباط جيش، وله صلة بحسابات رجال أعمال وإعلاميين ومحامين وأطباء ومهندسين ورياضيين وعلماء وباحثين في مجالات حساسة.

ذلك كله ينطبق عليك وعليّ وعلى كل من له حساب في الشرق أو في الغرب. إله المعلومات في أجهزة المخابرات أو شركات تحليل البيانات يتعامل مع جامع المعلومات الأعظم حاليا السيد جوجل ومنصات التواصل الاجتماعي والإيميلات.

وكم تسربت بيانات وحسابات الملايين من قبضة مارك زكربيرج، مالك الواتس آب والفيسبوك..!

لكن الروس دخلوا على الخط، وتفوقوا، ومنسوب إليهم التأثير الفعال على الحملة الانتخابية لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون وقت خوضها السباق الانتخابي نحو البيت الابيض عام ٢٠١٦، وخسرتها أمام منافسها ترامب، وكم جرت تحقيقات تفصيلية حول اتهام ترامب بأن الروس ساعدوه بتسريب بياناتها وإفساد حملتها الرئاسية. وتلك قصة أخرى طويلة.

أجهزة جمع المعلومات لديها آلة تحليل للبيانات ضخمة اسمها جهاز الذكاء الاصطناعى.. هي أشبه بالثقب الأسود بين المجرات، وكما يشفط الثقب الأسود كواكب وأجساما فضائية بكاملها ويبتلعها ابتلاعا، فإن آلة الذكاء الاصطناعي (كمبيوتر فائق القدرات) تشفط بياناتنا، أي المكالمات وما فيها، وما أدراك ما فيها؟! وفيديوهاتنا وما أدراك ما فيها؟! وصورنا الشخصية والعائلية، ومرات دخولنا على المواقع، ما هدأ منها وما فجر، ونوع تفضيلاتنا الجنسية، وألوان ميولنا التسويقية، ونزعاتنا السياسية واتجاهاتنا الدينية، وثرثراتنا الفارغة والمليانة.. ملايين الملايين من البيانات والمعلومات والأسرار .

ورغم أن هذا كله معلوم بدرجات متفاوتة للبشر في العالم، فإن الجميع دخل سوق الرق الرقمية بمزاجه، مستمتعا ومضيعا الوقت والعمر ومبددًا العلاقات الاجتماعية، بل العاطفية والزوجية.

لقد أدخل كل منا غرباء في حياته، لم يرَهم ولم يروه إلا صورًا أو كاميرات أو كلمات، وأخرج أقرب الناس إليه من عقله وعينيه وربما قلبه وحياته الحميمة!

انظر الحمى التى اجتاحت المصريين جميعا في اليومين الماضيين، بالتطبيق الأخير تحت اسم face app، وهو تطبيق روسي، يعطيك صورة كاملة فوتوغرافية فائقة الوضوح لشكلك في سن الشيخوخة.

وقعت حالة هوس من الكبار والصغار، ورأيت أصدقاء كثيرين متوسطي العمر وشبابا وصديقات في منتصف العمر وبعده، وشابات، وقد نشروا صورهم في سن السبعين والثمانين والتسعين! لمَ نتعجل رؤية أقدام الزمن الثقيلة على وجوهنا لمَ؟!

تفاديت أن أفعل ذلك، فأنا لا أريد أن أرى نفسي في أرذل العمر. نحن في الهزيع الأخير منه حقا، لكن لمَ استباق الوجه الذي ادخره لك الله سبحانه؟!

من أجل هذا أنفت، وقرفت بصراحة من الوجوه العجوزة التي طفحت كماسورة ٢٥ يناير في بر مصر الإلكتروني !

لكن حفيدي فاجأني بأن بث صورة لي في أرذل العمر.. كنت فيها بحمد الله محتفظا بقدر من اللياقة!

تضايقت، ومسحت الصورة، ولُمت حفيدي لومًا ضاحكا.. فمازحني بضحكة جميلة: ما انت عجوز يا جدو!

أنستبق الزمان لنتألم أم لنتعلم؟

الغريب أن العزاءات اللحظية والتفاهات الغزيرة تمثل النسبة العظمى من اهتمامات كل عبيد النت في مصر.

إعلان