إعلان

سخافة السخرية من الآخر

أمينة خيري

سخافة السخرية من الآخر

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 13 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا أظن أن في الاعتراف بالحق فضيحة، لكنه فضيلة وفضيلة الفضائل. وحين يواجه أحدنا نفسه بما فيها من خلل هنا أو ضعف هناك، فهذا يعني أنه شخص قوي واثق بنفسه وعلى يقين بأن الكمال لله والقدرات بحساب.

وبحسبة بسيطة سريعة لا تحتاج بحثًا علميًا أو تقصيًا معلوماتيًا، يمكن القول إن ثقافتنا الشعبية تعتبر السخرية ممن يختلفون عنا ظرفًا وخفة دم، وأن التنكيت على أصحاب الأجساد الممتلئة أو ملامح الوجه غير المأهولة أو المظاهر الخَلقية غير المعتادة بل أحيانًا أصحاب القدرات الذهنية والجسدية الخاصة لطافة وظرافة.

حتى أفلامنا القديمة الأبيض والأسود التي نعتز بها مليئة بالكثير من مظاهر تنميط أصحاب البشرات السمراء في أدوار بعينها. ولماذا نذهب بعيدًا ولدينا الراحل العظيم إسماعيل ياسين والذي اعتمد سيناريوهات أغلب أفلامه على فمه الكبير للإضحاك والسخرية. والأمثلة أكثر من أن تعد أو تحصى:

الكوميديا القائمة على السخرية من أصحاب الأوزان الثقيلة، والقامات الطويلة جدًا والقصيرة جدًا، والنساء والفتيات اللاتي يعتبرهن المخرج ذميمات، وأصحاب الأسنان البارزة والأذن الكبيرة والبارزة، وغيرها كثير.

وكثيرًا ما ترى هذه الثقافة المتوائمة والمتسامحة مع اعتبار العيوب الخلقية والمظهرية واختلاف لون البشرة وطول القامة وغيرها مناهل سخرية شرعية، ومصادر إضحاك عادية. ليس عليك إلا أن تصعد عربة مترو الأنفاق المخصصة للسيدات وتسمع وتلاحظ التعليقات والنظرات التي تلاحق صاحبات البشرات السمراء من بنات السودان أو إثيوبيا أو الصومال أو غيرهن. ستجد أولئك الملتزمات مظهريًا محملقات فيهن في تعجب واستغراب. وستجد بعضهن لا يتوانى عن تعليق سخيف هنا، أو حركة لزجة هناك. والعجيب والغريب والمريب أن الغالبية لا تدرك أننا كلنا مع اختلاف درجات لون بشرتنا مصنفون باعتبارنا "آخر" أوOther في عرف ثقافات أخرى.

وحين تذهب لملء استمارات رسمية في بعض الجهات في دول غربية، يتحتم عليك أن تحدد إن كنت أبيض، أسود، آسيويا، أو آخر.

والغرض من هذا التحديد المطلوب ليس اضطهاد أصحاب البشرات المختلفة، أو تصنيفا بحسب اللون، لكنه غالبًا يكون إما لأغراض تتعلق بتحديد النسب المئوية واستخدامها في إحصاءات مثل نسبة السكان البيض والآسيويين في حي ما، أو لاستيفاء بنود قانونية في التشغيل حيث نسب بعينها تم تخصيصها لأصحاب الأصول الأفريقية والآسيوية. أنا وأنت ونحن لسنا مصنفين "أبيض"، إن كنا نظن أن هذا هو الاختيار الأحلى والأفضل، وهذا للعلم والإحاطة.

الغالبية منا تصدم حين تعرف أننا "آخر" بالنسبة لثقافات مغايرة. الغالبية تعتقد أننا ننتمي إلى اللون الأبيض، ذلك اللون المفضل لدى الكثيرين. وإن أراد أحدهم أن يخفف من وطأة الطرد من خانة الأبيض تجده يهرع إلى التعلق بتلابيب "اللون الخمري"، وهو اللون الذي لا وجود له لدى آخرين.

آخرون مروا بتجارب العنصرية لعشرات السنين. وحتى إن كنا ننأى بأنفسنا عن تهمة "العنصرية"، ونسارع إلى التأكيد بأن ما نفعله، ونقوله إنما هو "خفة دم فطرية"، فنبقى متهمين بالقليل منها، وأحيانًا الكثير. وكثيرًا ما يقع البعض فريسة للتفكير الفوقي، فيظن أنه أفضل من غيره، لأنه ينتمي إلى دين ما، أو لأنه يحمل اسم أسرة ما، أو لأنه ينتمي إلى شجرة ما، أو لأنه يحتل منصبًا ما، أو لأن لون بشرته أفتح إلى درجة ما، أو لأن ملامح وجهه يعتبرها أجمل بشكل ما.

التنمر لا يحدث فقط في المدارس، ولا يقع ضحيته فقط أطفال ومراهقون، لكنه يحدث يوميًا بيننا وبين بعضنا البعض، وبيننا وبين شعوب أخرى. وليت المشايخ والخطباء لا يركزون فقط على طول الجلباب وشطاف الماء ودرجة مكبرات الصوت، بل يحذرون من التنمر بالآخرين، لأنه دليل على خلل في الأخلاق، والأخلاق عصب المتدين.

إعلان