إعلان

حادث الدرب الأحمر (3): موجة الإرهابيين الأجانب

د. إيمان رجب

حادث الدرب الأحمر (3): موجة الإرهابيين الأجانب

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:00 م الإثنين 18 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

اتجه كثير من المهتمين بحادث الدرب الأحمر للتعامل مع منفذ العمل الارهابي الحسن عبدالله على أنه إرهابي منفرد، أو كما يسمى في الأدبيات ذئبًا منفردًا. ولكن في الوقت نفسه يفيد تاريخ هذا الشخص في ضوء ما هو متداول من معلومات بأنه على ارتباط بتنظيمات وكيانات إرهابية منذ سنوات، فضلاً عن أنه كان قد رحل قبل ثلاث سنواتٍ من الولايات المتحدة إلى فرنسا ومنها إلى مصر (انظر التفاصيل المنشورة في جريدة الشرق الأوسط 20 فبراير 2019).

ينطبق وصف الإرهابي المنفرد، أو الذئب المنفرد في حال توافر عدد من الصفات تشمل أن يكون من أبناء الدولة التي نفذ فيها العمل الإرهابي، وألا ينتمي تنظيميًا لأيٍ من الكيانات الإرهابية، أي أنه ليس عضوًا فيها. ويعتمد في تعلمه أسلوب تنفيذ العمل الإرهابي على التعلم الذاتي المرتكز على تصفح ذاتي لمواقع الإنترنت التي تشرح خطوات تفصيلية تتعلق بكيفية تصنيع العبوات الناسفة وكيفية التخطيط للعمليات، فهو لم يتدرب في مخيمات تدريب لفترة من الزمن.

ونظرًا لكون الإرهابي المنفرد يعمل بصورة منفردة، فإنه يعتمد على قدراته الذاتية ولا يتلقى أوامر من الخارج بخصوص تحديد مكان العملية أو طبيعتها، وتلعب دوافعه الشخصية دورا مهما في تحديد طبيعة الأهداف التي سيصيبها من خلال تنفيذ العملية الإرهابية. ولا يعني ذلك أنه لا يتشارك مع آخرين خططه المتعلقة بتنفيذ العمل الارهابي، حيث يلجأ إلى مشاركة تلك الخطط مع من يتعاطفون معه، وتعد حالة إرهابي نيوزيلاندا مثالا مهما على ذلك، حيث تشارك خططه مع المتابعين لمدونته على الإنترنت، كما حرص على إصدار بيان شخصي قبل الحادث وبعده لتبرير تنفيذه الفعل الإرهابي.

وتفيد حالات كثيرة أن تأثر الإرهابي المنفرد بأفكار تنظيم ما لا يعني انتماءه التام لذلك التنظيم، فالأصل في الارهابي المنفرد أنه ليس عضوا تنظيميا في أي كيان إرهابي. كما أنه عادة ما يكون متأثرا بأفكار متطرفة تنتمي لمدارس فكرية متنوعة ولا تعبر بالضرورة عن مدرسة فكرية واحدة، ففي المرحلة الحالية تكون أفكار الإرهابي المنفرد خليطًا من أفكار السلفية الجهادية وأفكار القاعدة وأفكار سيد قطب، فضلاً عن الأفكار الداعشية.

وتشير المعلومات الأولية المتعلقة بالتحريات التي قامت بها النيابة عن الحسن عبدالله إلى أنه انتمى تنظيميا لحركة حسم ولواء الثورة من خلال توليه مسؤولية الرصد والتتبع، وأن اتجاهه لتنفيذ عملية إرهابية عند جامع الاستقامة في الجيزة ثم تفجيره نفسه عندما اعترضه رجال الأمن في الدرب الأحمر، كان بأوامر تلقاها عبر تطبيق التليجرام.

بعبارة أخرى، رغم أن الظروف التي يتحرك فيها الحسن عبدالله ونقلتها العديد من التقارير الإعلامية توهم المتابع بأنه يتحرك منفردًا، إلا أن هناك شواهد توفر معلومات من نوع آخر، وهي:

أولاً هو إرهابي أجنبي نشأ في الولايات المتحدة، فهو يحمل الجنسية الأمريكية، ثم رحل منها إلى فرنسا ومنها إلى مصر، وبالتالي ما لديه من أفكار متطرفة وإرهابية ليست وليدة البيئة المصرية. وهذه الحالة مشابهة لحالة الشبان المصريين الألمان الذين رحلتهم السلطات المصرية منذ فترة عند محاولتهم دخول مصر قادمين من ألمانيا بسبب علاقاتهم بتنظيم داعش.

ثانيًا انتقاله لمصر بسبب ترحيله من الولايات المتحدة وفرنسا، لا توجد معلومات كثيرة حول أسبابه، ولكن يمكن تخمين أنه كان بسبب أفكاره المتطرفة، خاصة وأن مظهره الذي كان يحرص عليه بشهادة جيرانه والكثير من سكان الحي الذي يقطنه بعد عودته من الخارج يفيد بأنه كان يحرص في البداية على لبس الجلباب وإطالة اللحية، وفجأة غير من مظهره ليرتدي الكاجوال ويطيل شعره ويغطي وجهه (في محاكاة لزي البلاك بلوك) ويعتمد على الدراجة في تنقلاته.

ثالثًا تفيد التحريات التي أتاحتها النيابة بأنه ينتمي لخلية ما، (نشرتها اليوم السابع في 21 فبراير 2019) وأن عضويته في تلك الخلية تعتمد بصورة كبيرة على التواصل من خلال تطبيق التليجرام. وهذا التطبيق غدا التطبيق المفضل للكيانات الإرهابية نظرًا لسهولة تأمينه ضد أي محاولات لاختراق المراسلات عليه، وذلك على خلاف تطبيق الواتس آب مثلا.

رابعًا تشير كمية المتفجرات التي تم العثور عليها في الشقة التي كان يستخدمها إلى أن ما هو كان مخططًا لتنفيذه ليس عملية واحدة وإنما أكثر من عملية، وأن كمية المتفجرات هذه لم يتم نقلها من خلال حقيبة الظهر التي كان يستخدمها الحسن عبدالله فقط.

في ضوء ما سبق، من المتوقع أن يشهد العام 2019 نوعية مختلفة من العمليات الإرهابية التي تنفذها عناصر مصرية ولكنها مزدوجة الجنسية ودخلت البلاد بصورة شرعية بهدف تنفيذ عمليات مخطط لها من قبل خلايا أخرى يعمل بعض أعضائها خارج مصر، ويتم التواصل معهم في الغالب بالاعتماد على تطبيقات وشبكات التواصل الاجتماعي، وتنفذ عملياتها بصورة رئيسية في المدن والمناطق كثيفة السكان.

وبصرف النظر عما إذا كانت تلك العناصر الإرهابية عائدة من مناطق الصراع مثل سوريا والعراق وشرق ليبيا، أو عائدة من دولة أجنبية نشأت وعاشت فيها، فإن القدرة على الاكتشاف المبكر لهذه العناصر تمثل تحديًا كبيرًا للأجهزة الأمنية.

إعلان