إعلان

عايز أختي "شميمة"

أمينة خيري

عايز أختي "شميمة"

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 25 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بين نار التأهيل والدمج (وهذا صعب إن لم يكن مستحيلاً)، ونار الرفض والإقصاء، تدور رحى جدليات عودة الدواعش إلى بلدانهم هذه الأيام.

ينوي الابن المجاهد العودة إلى البلد الذي قدم منه، بعد أن انتهت مهمته "الجهادية"، أو انتفت أسباب استمراره في ذبح وقتل ورجم وجلد ناس هنا وشعوب هناك، أو حتى يستيقظ من نومه ذات صباح في معسكره "الجهادي" ليكتشف أنه لا يريد الجهاد غدًا في سوريا أو العراق، فيجد أن عودته باتت حديث الساعة.

حديث الساعة في أمريكا وبريطانيا يدور حول هدى مثنى، وشميمة بيغوم.

هدى الأمريكية التي تخلى والدها عن جواز سفره الدبلوماسي اليمني قبل سنوات، واستقر وأسرته في أمريكا، تركت عائلتها قبل أربع سنوات في أمريكا مخبرة إياهم أنها ذاهبة إلى تركيا للمشاركة في نشاط جماعي، لكنها ذهبت إلى سوريا من أجل "الجهاد".

"جهاد" هدى التي تبلغ من العمر الآن 24 عامًا تمثل في القيام بمهام الدعاية والتسويق لـ"داعش"!

المدهش أن الجماعات الحقوقية تشن حربًا ضارية هذه الآونة على الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعدما كتب على "تويتر" أنه أعطى تعليماته لوزير الخارجية، مايك بومبيو، بعدم السماح لمثنى بالعودة إلى أمريكا "لأنها لا تحمل جواز سفر أمريكيًا".

المثير أن هدى إن عادت، فلن تعود وحدها، بل تحمل معها طفلاً عمره 18 شهرًا أنجبته هناك بعد قصة حب داعشية في سوريا.

ودغدغت هدى قلوب ومشاعر البعض من أصحاب القلوب الرهيفة حين أعلنت ندمها على الالتحاق بـ"داعش"، وسلّمت نفسها لإحدى الميليشيات الكردية المدعومة من أمريكا في شمال سوريا.

جانب من الجدل المحتدم في أمريكا يدور حول ما إذا كانت هدى تحمل بالفعل جواز سفر أمريكيًا أم لا، ولا سيما إنها كانت تصور نفسها أثناء "الجهاد" في سوريا وهي تحمل جواز سفر أمريكيًا!

لكن جانبًا آخر من الجدل أيضًا يعود إلى جوانب حقوقية في حق الداعش الذي قرر إنهاء مهامه الداعشية وتحزيم "بؤجته" والعودة إلى بلده، ولا سيما إن كان غربيًا، حيث مميزات الضمان الاجتماعي التي تؤهله لمسكن مجاني ورعاية صحية ونفسية مجانية وغيرها من المميزات/ الحقوق التي يوفرها هذا الجزء من العالم لمواطنيه.

على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، جدل مشابه، ولكن بطلته شميمة بيغوم البريطانية، من أصل بنغالي (بنجلاديش) والتي تركت بريطانيا قبل أربع سنوات، وكانت حينئذ في الـ14 من عمرها، وذلك من أجل "الجهاد" في سوريا مرورًا بتركيا.

وهناك تزوجت أخًا داعشيًا من هولندا، وكانا "يجاهدان" في دير الزور. وأنجبا طفلاً ثم أنجبت الثاني قبل أيام. ومع خفوت نجم داعش سلما أنفسهما لميليشيا كردية كذلك.

بريطانيا أصدرت قرارًا مقتضبًا بسحب جنسية شميمة، وقالت إنه "استند إلى أدلة، ولم يتخذ باستخفاف".

ومع انطلاق الحملات الحقوقية المطالبة بحق شميمة في العودة (وهو ما ذكرني بـ"عايز أختي شميمة") ومعها محاولات أسرة شميمة الاعتراض على القرار "الظالم" بمنع عودة الابنة الداعشية، قال وزير الداخلية البريطاني ساجد جويد إن "أمن وسلامة الناس الذين يعيشون هنا في بريطانيا لهما الأولوية".

دارت رحى حقوقيين يطالبون بحق المواطن الداعشي العائد في العلاج والتأهيل وإعادة الدمج في المجتمع، وقانونيين يذكرون بأنه طالما لم يُقدم لمحاكمة عادلة، فإن مسائل الاعتقال والسجن والحبس غير واردة، ومواطنين عاديين يميل أغلبهم، لا سيما أولئك من غير المهاجرين، إلى الخوف من تلك العودة والمطالبة بمراجعة قوائم العائدين ومنعهم من الدخول.

وعلى مدار العامين الماضيين، ومع بدء تغير موازين اللعبة الداعشية في الشرق الأوسط، تخوض دول أوروبية بالإضافة لأمريكا جدليات واحتقانات عدة. فالأبناء والبنات الدواعش بدأوا في العودة أو التفكير في العودة.

وقبل أشهر، أطلق "مركز سوفان البحثي" (مقره نيويورك) دراسة عنوانها "ما وراء الخلاقة: المحاربون الأجانب وتهديد العائدين" أشارت إلى أن مئات الشباب والمراهقين البريطانيين يعودون إلى بريطانيا، وأن كثيرين منهم يعودون حاملين أطفالهم الذين ولدوا أثناء "الجهاد"، وذلك بعد انتهاء مهمتهم في العراق وسوريا.

هدى مثنى، وشميمة بيغوم وغيرهما الآلاف من الدواعش العائدين أو الساعين للعودة يستدعون جدلاً ونقاشًا واستعدادات أشبه.

لكن ماذا عن دواعشنا؟ المؤكد أن هناك دواعش مصريين في صفوف دولة الخلافة في سوريا والعراق. وهذا ملف لم يفتح بعد.

ولا أعتقد أن لدينا الإمكانات نفسها التي ستؤدي بنا إلى حوار مجتمعي قوامه: هل يفتح الوطن ذراعيه لأبنائه الدواعش، أم يحرمهم من العودة، أم يعودون متسللين؟

وأنوه في هذا الصدد إلى أن من ضمن ما يناقشه الغرب في هذا الملف "الوصمة" التي قد تلتصق بالدواعش العائدين؛ إذ سينظر إليهم الجيران كمسؤولين عن سفك الدماء وتكفير الآخرين ورفضهم. وهو ما يستدعي السؤال: في حال عودة الدواعش المصريين، هل سيتعرضون لوصمة مشابهة، أم أن جانبًا من المصريين صار أكثر تسامحًا مع الفكر الداعشي؟

أما دواعش الداخل الذين لم يحالفْهم الحظ بفرصة الجهاد في سوريا والعراق، فماذا عنهم؟

هم يعيشون بيننا. وبيننا من يعتبرهم "ملتزمين" "متدينين" "محافظين" "ما شاء الله عليهم"، وبيننا أيضًا من يعتبرهم قنابل موقوتة، كتلك التي انفجرت قبل أيام في شارع الأزهر.

جيران "القنبلة" قالوا: "لم يكن شكله يوحي بأنه يفهم في السياسة"! ومن قال إن هؤلاء يفهمون في السياسة؟ أغلب هؤلاء ناس "طيبون" "ملتزمون" ينفجرون دون سابق إنذار. لماذا؟

لأن علامات الإنذار في مصر صارت ملتبسة منذ أواخر السبعينيات.

إعلان