إعلان

"طب مفيش منه رجالي؟"

محمد حنفي نصر

"طب مفيش منه رجالي؟"

محمد حنفي نصر
09:00 م الأربعاء 23 أكتوبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حين لمح بعينيه المبنى الضخم، خفق قلبه خفقة ارتجّ لها الميكروباص! فقرر النزول بعد أن نازعته نفسه الأمارة بالسوء التجول داخل المول الكبير، مقتحماً أبواب أحد المحلات ذات الأسماء الشهيرة. سيرد لنفسه الاعتبار بعد أن عيّرته حماته بملابسه العتيقة؛ فقذ آن الأوان أن يلقنها درساً في الأناقة.

وما إن عبر بوابة المحل حتى استقبلته نسائم التكييف والموسيقى الهادئة لتزيده ثقةً. طال بحثه عن قسم الرجالي وسط البنطلونات الممزقة والقمصان الشفتشي.

أقنعته إحدى العاملات بصوتها المتعوج ورائحة البارفان أنه بالفعل في قسم الرجالي، وتضامن معها الميكروجيب الذي ترتديه أن يختار بنطلونًا أصفر كنارية ملتصقًا بالجسم ومن فوقه قميص مشجر تشبه نقشته إلى حد كبير قميص نوم الست حرمه أيام الشقاوة.

هكذا خرج من المحل يحمل في يده كيسًا بلاستيكيًا يحتوي ملابسه القديمة، بينما الصراع دائر بين جسده المتمرد والبنطلون المحزأ مجبراً إياه على السير متقصعًا كفتاة ليل مبتدئة لم تتودك بعد في الصنعة، ولكنه سرعان ما نفض عن نفسه الخجل، بعد أن أدرك أن أغلب من حوله من الذكور يرتدون البنطلون الزمارة.

تلقفته يد الأسطي تيتو الحلاق بإصرار على أن يمنحه حلاقة مهرجانات تليق باللوك الجديد بعد أن عاتبه عتاباً مراً على احتفاظه بالشنب الذي اختفي من تحت أنوف أغلب الرجال.

وهكذا خرج من تحت يد الأسطى تيتو برأس سحلية مسلوخة الجانبين على الزيرو، ويزينها عرف يشبه مقشة الريش الذابلة وشفة متورمة من أثر الشارب المنتوف.

وما إن أطل برأسه من باب الشقة حتى أطلقت حماته ضحكة خليعة مجلجلة أعقبتها بلوكامية أسفل منتصف القفص الصدري تأوه منها المسكين، ولكنه رفض بإباء أن ينحني من الألم حتى لا ينكشف الأندر من تحت البنطلون الساقط، بينما هي تنادي ابنتها، وتسمع الجيران في ذات الوقت وهي ممسكة به من عرف السحلية: يا نرررررجس جوزك قلب سيكو سيكو يا نرررررجس.

بعد مفاوضات مطولة استطاعت نرجس أن تقنع الست والدتها بإخراج أصبعها من عينه، مؤكدة لها أن هذه هي الموضة الرجالي هذه الأيام. فسددت له خطافية أسفل الفك وهي تجيبها: طب ما كان ياخد البنطلون الفسكوز بتاعك بدل الفلوس ووفر القرشين؟

ورغم قوة الحجة التي أطلقتها أمها، فإنها أخرجت لها على الموبايل صورة الهضبة في آخر حفلاته ببنطلونه المميز فانهمرت دموع الأم في وصلة بكاء لا ينقطع: "الله يرحمك يابو نرجس إهئ إهئ.. فكرني بكلسون المرحوم.. إهئ إهئ إهئ.. كان يا حبة عيني بيلبسه لما البواسير تشد عليه. تعيشي وتفتكري يا ماما".

هكذا استطاع الهضبة ببنطلونه المتدلدل أن يعيد السكينة إلى الأسرة، وكالعادة حين كان صاحبنا في جلسته بجوار حماته يتابعان نشرة الأخبار عاتبته وهي تزغده بكوعها زغدة خفيفة في الحنجرة: "أصفر كنارية يا موكوس.. طب مفيش منه رجالي؟ فأجابتها نرجس مدافعة: ما خلاص بقي يا ماما موضة الرجالة دلوقت كده".

فأشاحت بوجهها نحو الشاشة سائلة: "وده مين ده اللي عمال يزعق كده؟ فأجابها: ده سماحة السيد بيهدد إسرائيل وأمريكا واللبنانيين والخليجيين والسمّاكين وحي النحاسين".

ردت وهي تمصمص شفتيها: "مش ده اللي مستخبي تحت الأرض بقاله ٧ سنين؟ وده مين ده كمان أبوطرطور بالقصب ده؟".

- "ده السلطان الإسطمبولي بيهدد مصر وأمريكا وإسرائيل والأكراد والسوريين والسباكين والنجارين وحي المغربلين".

"هئ هئ والإسطمبولي ده يا واد برضه مفيش منه رجالي؟ يوه بقي يا ماما ما قلت لك موضة الرجالة دلوقت بقت كده".

إعلان