إعلان

ربع قرن على اتفاق أوسلو

ربع قرن على اتفاق أوسلو

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 12 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

غدا سيكون الذكرى الخامسة والعشرين على اتفاق أوسلو المعروف باسم "اتفاق إعلان المبادئ" الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، في 13 سبتمبر عام 1993، والذي شكل علامة فارقة في تاريخ العلاقة بين الطرفين.

اليوم النتائج الماثلة على الأرض تشير إلى أنه ليس هناك ما هو أسوأ مما وصل إليه الفلسطينيون بعد ربع قرن من الاتفاق.

بالطبع هناك من سيقول: الفلسطينيون كانوا في وضع سيئ؛ لأنهم كانوا مع الطرف الخاسر في حرب الخليج – أي صدام حسين – ومن ثم كان لا بد أن يدفعوا ثمن رهاناتهم الخاطئة، لا سيما مع انهيار التضامن العربي وانهيار الكتلة الشرقية، وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم. قد يبدو هذا صحيحا في معظمه – على الأقل – لكن بالمقابل علينا الاعتراف بأن الأداء الفلسطيني بعد ذلك – أي بعد توقيع الاتفاق - كان أسوأ بكثير من نصوص الاتفاق ذاته، والاتفاقيات التي وقعت بعد إعلان المبادئ لم تكن أفضل حالا! على سبيل المثال، لو كانت القيادة الفلسطينية قد أصرت على وقف الاستيطان وإزالته، وإطلاق سراح الأسرى، ربما كان الوضع أقل سوءا، خاصة وأن أوسلو وقع والانتفاضة الشعبية لم تكن قد وضعت أوزارها بعد.

في سياق عمليات التقييم والمراجعة، كتب (قبل عدة أيام فقط) صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (وأحد أبرز المسؤولين الفلسطينيين الذين فاوضوا طواقم المفاوضين الإسرائيليين) أن الخطأ الأساسي في "عملية أوسلو" كان عدم الإصرار على الاعتراف المتبادل، أي دولة مقابل دولة! والمعنى هنا واضح، منظمة التحرير اعترفت بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وأمن، مقابل اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وليس مقابل اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، أو بأن الضفة الغربية وقطاع غزة أراضٍ فلسطينية! وعليه يمكن القول بأن القيادة الفلسطينية قد غلّبت مسألة الاعتراف بها وبدورها على الاعتراف بالحقوق الوطنية. وهذا يختلف تماما عن تجربة المفاوضات المصرية مع إسرائيل (رغم تسليمي بالفارق الكبير بين الحالتين). وهنا أنا لا أقصد فقط أن المطروح من قبل " مناحم بيجن" على الرئيس السادات، بالنسبة للفلسطينيين، كان حكمًا ذاتيًا أفضل من الوارد في أوسلو. وإنما أعنى، بالإضافة إلى ذلك، أن إسرائيل اعترفت، منذ البداية، بأن سيناء أراضٍ مصرية، مقابل اعتراف مصر بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وأمن. وبالتالي لم تفاوض مصر على الأرض (التي كان قد حسم أمرها منذ البداية، وقبل أن تجلس مصر على طاولة المفاوضات) وإنما فاوضت على الجدول الزمني للانسحاب الإسرائيلي، وعلى الترتيبات الأمنية على جانبي الحدود. وعليه كانت إسرائيل وهي تجلس على طاولة المفاوضات في مواجهة مصر، في موقع " دولة احتلال" من الناحيتين القانونية والسياسية.

في الحالة الفلسطينية يبدو الأمر مختلفا تماما، إذ لم تسلم إسرائيل بأن أراضي 67 هي أراضٍ فلسطينية محتلة، مقابل اعتراف المنظمة بحق دولة إسرائيل في العيش بأمن وسلام. وبالتالي بدا الأمر وكأنها تفاوض على الأرض، أو أن إسرائيل ليست دولة احتلال، وإنما دولة تزعم بأن لها حقوقا في الضفة الغربية، على الأقل.

ولهذا لم يكن غريبا أن يصرح "إسحاق رابين" الذي اغتاله اليمين الإسرائيلي لتوقيع أوسلو، بأن "الاتفاق مثل الجبنة السويسرية مخارجها أكثر من مداخلها". وحتى عندما سئل غداة توقيعه على الاتفاق: ماذا ينوي إعطاء الفلسطينيين في الحل النهائي؟ أجاب: "50% من الضفة والقطاع". فقالوا له إن هذا لن يرضي الفلسطينيين ولا يقيم لهم دولة، فقال عندها (أي إذا رفضوا): " ليحتفظ كل طرف بما لديه".

الآن بعد مرور ربع قرن على اتفاق أوسلو، يمكن القول بأن خطأ – بل خطيئة – عدم الإصرار على الاعتراف المتبادل، وتغليب القيادة الفلسطينية على الاعتراف بها وبدورها، على الاعتراف بالحقوق الوطنية، لا يزال ماثلًا حتى الآن ... هذا ما نعاينه في سلوك قيادة السلطة وممارساتها، وكذلك عند حركة حماس التي تعطى الأولوية للاعتراف بها وبدورها على أي شيء آخر، ودع عنك "معزوفة خيار المقاومة" التي يجرى ترديدها ليل نهار.

الآن منطق "الحصول على شيء أفضل من لا شيء "الذي يجري ترديده، منذ أوسلو وحتى اليوم، على ألسنة فريق منظمة التحرير، لا ينافسه اليوم سوى خطأ آخر (تمارسه حركة حماس) هو إهدار ما تحقق أو ما يمكن تحقيقه، على مذبح الحرص على تحقيق الهدف النهائي، وإما الكل أو لا شيء!

بعد ربع قرن على "أوسلو" تآكلت فرص قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في الضفة وغزة، بل إن قادة إسرائيل يتصرفون اليوم وكأن أوسلو غير موجود!

لكن المثير حقا أن يتعامل الفلسطينيون مع "عملية أوسلو" كأنها مفتوحة إلى الأبد، بدلا من التعاطي ضمن تصور يتعامل مع الأمر كعملية يعرفون متى ستبدأ ومتى ستنتهي.

إعلان