إعلان

استديو تحليلي

استديو تحليلي

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 29 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يجب على فريقنا المحبوب تسجيل هدف خلال ربع الساعة الأول من المباراة حتى يكسب الثقة ويضعف معنويات الفريق الخصم. طبعا طبعا، هذه فكرة رائعة، وكأن الفريق المحبوب لا يود لو استطاع تسجيل هدف جديد في كل دقيقة من دقائق المباراة، أو كما لو كان المدرب يكتب "سكريبت" المباراة، ويضع فيه عبارات من نوع: في الدقيقة العاشرة سيصل قلب الهجوم إلى حافة منطقة الجزاء، وعندها يتلقى الكرة من الجناح الأيسر بعد أن يكون الأخير قد راوغ الباك رايت، فيسددها قلب هجومنا الموهوب قذيفة على يسار حارس المرمى، ثم يقفز في الهواء أربع مرات، احتفالا بالهدف.

لا بد لفريقنا المحبوب من فتح الثغرات في دفاع الخصم. أيوه سعادتك، أنت قلت إيه جديد؟ كلنا شاهدنا المباراة، وكلنا لاحظنا أن دفاعات الخصم محكمة، وأن فريقنا المحبوب عاجز عن فتح الثغرات فيها. لا بد إذا من إيجاد الحلول الهجومية. حلول!! زي إيه يعني؟ على الفريق بذل المزيد من المحاولات لاختراق خطوط الدفاع. سعادتك فريقنا فعلا يحاول قدر استطاعته وقدر مهارة لاعبيه، لكن مفيش حاجة نافعة خالص.

الحلول الفردية هل الحل. نعم، نعم، يا لها من فكرة عبقرية، لا بد لجناح فريقنا الأيمن أن يتقدم وحده بشكل فردي، ويراوغ خمسة من دفاع الخصم، قبل أن يضع الكرة بسلاسة في المرمى الخالي، كل هذا وحده وبفردية منقطعة النظير. لماذا لم تأت هذه الفكرة العبقرية للمدرب الذي ندفع له الملايين؟ لماذا لم ترد على ذهن الجناح الأيمن المخضرم؟ لا بد من أن أفكارهم مشوشة وأن تركيزهم مشتت. فلنخمن معا عما قد يكون قد تسبب في هذا التشوش وهذا التشتيت.

تكنولوجيا الجرافيك جعلت التحليل الرياضي أكثر متعة. دوائر وهالات وأقماع ضوئية يتم وضعها على اللاعبين المختارين، وخطوط متقطعة ومتصلة يتم رسمها بين تشكيلات اللاعبين. الآن أصبح من الواضح لماذا لم يتم الاستفادة من الفرصة التي لاحت في الدقيقة الأربعين، فلو كان لاعب الوسط المهاجم تحرك خطوتين فقط للأمام، لكان خلق وضعا جديدا تماما، ولأمكنه استلام الكرة والانفراد بالمرمي. لكن سعادتك لو كان لاعبنا تحرك هاتين الخطوتين، فإن دفاع الخصم الذي هو أكثر من مجرد مجموعة من أكياس الجوافة، كان على الأرجح سيلاحقه، ويحاول حرمانه من فرصة الانفراد، يعني باختصار مفيش حاجة مؤكدة، ولا داعي لكل هذه الثقة التي تتحدث بها. وأحب أفكر حضرتك بأيام كنت فيها لاعبا في فريقنا المحبوب، وشاهدناك عشرات المرات وأنت تتردد في التقدم خطوتين للأمام من أجل استلام الكرة والانفراد بالمرمي. يعني باختصار الموضوع مختلف تماما عن الهري بتاع المعلقين الرياضيين والاستديوهات التحليلية، التي هي عبارة عن وقت ضائع بلا فائدة حقيقية، ولكن.

لا توجد أي قيمة معرفية لساعات التحليل التي تعقب المباراة، أي مباراة. أراهن أنك لو استطلعت آراء المشاهدين، وما إذا كانوا قد تعلموا أو عرفوا شيئا جديدا من استديوهات التحليل، فإن الإجابة ستكون لا قاطعة كبيرة. ومع هذا يواصل الناس مشاهدة التحليلات الكروية، ويواصل المعلنون دفع الملايين لعرض منتجاتهم خلال هذه الفترة المميزة.
استديوهات التحليل لها وظيفة نفسية وليس وظيفة معرفية. فالجماهير التي وصلت إلى ذروة التوتر خلال دقائق المباراة التسعين تحتاج إلى من يساعدها على التخفيف التدريجي للتوتر، فليس من السهل على النفس البشرية النزول من أعلى درجات التوتر إلى درجة زيرو توتر بمجرد سماع صافرة النهاية. هنا تأتي وظيفة الاستديو التحليلي التي هي عبارة عن نوع من "العلاج الجماعي عن بعد" لتخفيف توتر جمهور الكرة، ولاستنفاد طاقة الشحن الهائلة التي تراكمت أثناء المباراة وقبلها.

إعلان