إعلان

دراما الحياة والعرب المعاصرون

دراما الحياة والعرب المعاصرون

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 27 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بين قول الله- تعالى-: "ألست بربكم" في بداية الخلق، عندما أخذ الميثاق من ذرية آدم- عليه السلام- ليحصل لهم اليقين بوجوده واستحقاقه وحده التقديس والعبادة، وقوله: "لمن الملك اليوم" في نهاية الكون يوم القيامة، وسؤاله بعد قبض أرواح جميع خلقه: أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ يتلخص تاريخ العالم ودراما حياة البشر فيه، من منظور الذين يؤمنون بالله وبالإنسان كظاهرة متجاوزة لعالم المادة.

وبين نقطتي بداية الكون ونهايته، نصب أبناء آدم على مر العصور، ومن مختلف الأجناس والأعراق مسرحاً كبيراً للدراما الواقعية، وعلى خشبة هذا المسرح شهدنا عروضاً متنوعة؛ مأساة، وملهاة، وملهاة مأساوية.

كما شهدنا صراعات سياسية وحروبا دينية وطبقية، وأبطالاً هزليين وملحميين وتراجيديين، لكن أكثرهم هزلية وتراجيدية هم الأبطال والسياسيون والحكام الذين جعلوا من أنفسهم في الأرض آلهة من دون الله، لأنهم وجدوا في أيديهم من القدرة ما يجعلهم قادرين على صنع أقدار ومصائر البشر والشعوب والدول، مثل الله تماماً.

وبعيداً عن خشبة هذا المسرح الكوني كان يقبع دوماً إنسان صاحب تكوين روحي ومعرفي خاص، وقد جعلته تلك العروض المتناقضة في حيرة ودهشة، ودفعته لأن يتأمل ذاته وأحداث التاريخ ومفارقات الحياة والبشر، وقد وجد بتأمله خواطر وأفكارا مرعبة، يمكن أن تؤدي إلى الشك والكفر بكل شيء، ورفض الوجود، والتصريح بالسؤال الصعب الذي عبر عنه الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر عندما قال: لماذا كان الوجود أصلاً، ولم يكن بالأحرى عدماً؟

كما وجد إنسان آخر من أهل الفكر، خرج من تأمل تاريخ العالم وأحداثه وما يجري على مسرحه الكبير بخواطر وأفكار إيمانية وجمالية ساعدته على تجاوز مظالم وقبح واقعه، ومنحته القدرة على مواصلة الرحلة، والسعي للتغيير والإصلاح، وتجاوز تناقضات الحياة والسلوك البشري من منطلق ديني وعقلاني وجمالي.

وبالتالي، فإن الدين والفكر والفن احتياج إنساني أصيل، وهي دائماً طوق نجاة للإنسان من الوقوع في قبضة العدمية والعبثية وفقدان المعنى؛ لأن الإنسان بدونها يصبح سجين الواقع الذي يعيش فيه، ويفقد القدرة على تجاوز ما هو كائن، ورسم ملامح ما ينبغي أن يكون؛ أي يصبح إنساناً يائساً فاقداً للأمل، وبلا قدرة على السعي والعمل من أجل تحسن شروط الحياة على الأرض.

وأظن أننا كعرب معاصرين نعيش اليوم لحظة شديدة التدهور والعبثية في تاريخنا الحديث والمعاصر، بعد أن رسم لنا حكام العالم الجدد، دوراً هامشياً ومهيناً على مسرح الحياة والمنطقة والعالم المعاصر؛ ولهذا فنحن في أشد الحاجة لتجاوز وضعنا الحالي وواقعنا ودورنا المحبط والمهين، والإيمان بأن الواقع ليس كل شيء، ولكن ما ينبغي أن يكون، وامتلاك الأمل والقدرة على الحلم والتغيير والإصلاح.

وخلاصة القول: إننا محكمون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ، كما قال الكاتب المسرحي الراحل سعد الله ونوس. وهذا الأمل عندي يتأسس على قراءة تاريخ الدول والحضارات، ومعرفة جدلية قيامها وسقوطها، وعلى الإيمان بأن الله هو الفاعل على الحقيقة، وهو الرازق على الحقيقة، وهو بمفرده صاحب القدرة المطلقة، وصانع الأقدار والمصائر، وأن للدين مضامين ورسالة حضارية وإنسانية، وليس مجرد طقوس وشعائر تعبدية، لأن وظيفة الدين الأساسية هي مساعدتنا على تجاوز الواقع والبحث عن المثال.

وهذا الأمل يتأسس أيضاً على الإيمان بأن للفكر والفن والثقافة دوراً مهماً في الارتقاء بحياة الإنسان والعالم الذي نعيش فيه، وأنها إلى جانب الإيمان الديني المستنير مدخلنا الرئيسي للتغيير والإصلاح، ليصبح على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

إعلان

إعلان

إعلان