إعلان

الرقابة الإدارية وفساد الكبار في مصر

الرقابة الإدارية وفساد الكبار في مصر

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأربعاء 14 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

شهدت مصر، منذ تولي الرئيس السيسي للحكم، اهتمامًا نوعيًا غير مسبوق بمواجهة الفساد، وتطويرا كبيرًا للجهود المبذولة في هذا الشأن، وقد تجسد هذا الاهتمام في صدور "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2014-2018" التي حددت منطلقات تلك المواجهة وأهدافها واستراتيجيتها، وقد تم إعدادها بمعرفة الأجهزة الرقابية المختلفة، بطلب من رئيس الجمهورية خلال اللقاء الذي جمعه برؤساء الأجهزة الرقابية في 28 أغسطس 2014.

ويمكن قراءة وتحليل العمليات الأخيرة في مكافحة الفساد، التي شهدناها مؤخرًا في مصر، وقام بها "الرجال الشرفاء" في هيئة الرقابة الإدارية، في ضوء تلك الاستراتيجية المتاحة رقميًا على الموقع الإلكتروني لهيئة الرقابة الإدارية، ويمكن من خلاله تحميلها والاطلاع عليها.

ولعل أهم ما لفت نظري في تلك الورقة الاستراتيجية هو حرصها في مقدمتها على الإشارة إلى نقطتين جوهريتين؛ النقطة الأولى: أن الارتقاء بمستوى الأداء الإداري والمحافظة على المال العام، والتأكيد على قيم النزاهة والشفافية، قد أصبحوا أولوية قصوى للدولة في كافة المجالات. النقطة الثانية: أن هدف تلك الورقة الاستراتيجية، هو وضع خطة "واقعية" لمكافحة الفساد تعتمد على الإمكانات والطاقات المتاحة، بهدف الحد من مظاهر الفساد بالمجتمع، وتقويم سلوك الأفراد للارتقاء بالأداء، لتحقيق التنمية المستدامة والرفاهية للمواطنين.

وهذا يعني أن أجهزة الدولة الرقابية على علم بكافة شبكات الفساد في مصر، وأن الحرب عليها قد صارت إرادة حقيقية للدولة، ولكنها حرب ضد "كائن سرطاني" توغل في جسد الدولة والمجتمع عبر عقود كثيرة ماضية، ولهذا فإن مواجهته تحتاج إلى قدر كبير من الحذر والحيطة والواقعية، حتى لا يتم مرة واحدة فتح ملفات كثيرة، تزيد من أعداء النظام الحاكم، وتهدد الاستقرار، وخاصة في خضم معركة الدولة الشرسة ضد الإرهاب.

وأظن أن العمليات النوعية الأخيرة التي قامت بها هيئة الرقابة الإدارية في حربها ضد الفساد، مثل القبض على وزير الزراعة الأسبق، ونائب رئيس مجلس الدولة الذي انتحر بعد القبض عليه، ونائبة محافظ الإسكندرية، وسكرتير عام محافظة السويس، ومحافظ المنوفية، ووكيل وزارة الصحة بمحافظة الإسكندرية، ورئيس مجلس إدارة إحدى شركات البترول الكبرى- هي أكبر دليل على صدق إرادة الدولة في محاربة الفساد، وتفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2014- 2018.

وهي "عمليات نوعية" لأنها تركز على مكافحة الفساد الذي يقوم به كبار الموظفين والمسؤولين، لأنه فساد يتسم بالعمق والتنظيم، وحجم المتحصلات المالية منه كبير، ويضرب بعمق في مصداقية ونزاهة الدولة والنظام الحاكم، بعكس استراتيجية مكافحة الفساد في النظم السابقة التي ركزت على فساد صغار الموظفين والمسؤولين، وجعلته عنوانًا زائفاً على نزاهتها، ووسيلة لتجميل وجهها، وأغلقت بقرارات رئاسية ملفات فساد الكبار، فبددت جهود رجال الرقابة الإدارية في التحري والمتابعة، وضربت مصداقية الأجهزة الرقابية عند الشعب، الذي صار لسان حاله ومقاله: مفيش فايدة!

ولكن القضايا التي كشفت عنها هيئة الرقابة الإدارية مؤخرًا، برجالها الشرفاء، وفي مقدمتهم السيد اللواء محمد عرفان، رئيس الهيئة، قد جعلت الشعب المصري يفرح فرحته بنصر عسكري، وتحرير أرض محتلة من الأعداء، وأعادت إليه الثقة بمؤسساته الرقابية، وصار يظن، لأول مرة، أن هناك فائدة؛ لأن الدولة جادة في محاربة الفساد، وأنها بضربها فساد الكبار سوف تجعل الفاسدين الصغار يفكرون ألف مرة قبل ممارسة أي شكل من أشكال الفساد، تحت قاعدتهم التبريرية السابقة: "إذا كان رب البيت بالدف ضاربا"، لأن رب البيت الفاسد خلاص اتقبض عليه.

إعلان