إعلان

لحظة حالكة

لحظة حالكة

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 23 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هذا هو اسم الفيلم الذي يجري عرضه في دور السينما في أنحاء العالم. الفيلم يحكي قصة قرار رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل دخول الحرب ضد ألمانيا النازية. لم يكن اتخاذ القرار سهلاً، ولم يكن هناك اتفاق عليه بين البريطانيين، فالكثيرون في بريطانيا كانوا يفضلون تجنب الحرب، حتى لو كان ثمن ذلك القبول بهيمنة ألمانيا على القارة الأوربية، وتحويل بريطانيا إلى شريك صغير لألمانيا المهيمنة.

كانت بريطانيا، ومعها العالم كله، تترقب الموقف الذي سيتخذه تشرشل عندما يخطب أمام مجلس العموم يوم الثامن عشر من يونيو 1940، وهو الخطاب الذي رفض فيه الاستسلام للأطماع الألمانية، وقرر خوض الحرب للنهاية. لقد حدد هذا القرار مسار الأحداث حتى نهاية الحرب بعد ذلك بخمس سنوات، وقرر مصير العالم طوال العقود التالية، عندما تأسس على نتيجة الحرب نظام دولي جديد تماماً. صحيح أن بريطانيا لم تعد قوة عظمى في النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن بريطانيا، وعلى رأسها ونستون تشرشل، هي الطرف الذي يعود إليه الفضل في تحقيق هذه النتيجة.

في 12 مايو 1948 عقد البرلمان المصري جلسة سرية، بناءً على طلب رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي. انعقدت جلسة البرلمان قبل ثلاثة أيام من انتهاء الانتداب البريطاني في فلسطين، وإعلان قيام دولة إسرائيل. حتى ذلك الوقت كان النقراشي باشا يرفض الدعوات التي كان الإخوان المسلمون يروجون لها، والتي كانت تدعو لدخول مصر الحرب في فلسطين، ولكن في خطابه أمام البرلمان طلب النقراشي من البرلمان الموافقة على دخول الحرب، فكانت هذه لحظة حالكة في تاريخ مصر السياسي، وتاريخ الشرق الأوسط كله.

كان هناك عقلاء كثيرون قاوموا التورط في هذه المغامرة، وعلى رأسهم إسماعيل باشا صدقي، أحد أنبه رجال الدولة في مصر الحديثة، فيما كان حزب الوفد، بسبب الميول الشعبوية التي كانت قد تسربت إلى عقيدته وأساليبه في ممارسة السياسة، وبسبب شعوره بالمنافسة والتهديد من جانب الإخوان، يؤيد الدخول في الحرب.

أتمنى لو يتم إنتاج فيلم يحكي هذه اللحظة من تاريخ مصر، ليروي لنا كيف كان أعضاء نخبتنا السياسية الحاكمة والمعارضة يفهمون السياسة والحرب وإسرائيل والعلاقات الدولية، ولماذا تبدل موقف النقراشي باشا من النقيض إلى النقيض. إنها دراما بديعة رغم النتائج الكارثية التي ترتبت عليها، فلماذا لا نستفيد من الفرصة؟ كل عناصر التشويق متوافرة في عمل كهذا. فهناك الحبكة السياسية، وهناك الصراعات والمواقف المتناقضة، وهناك أهواء البشر وتقلب مواقفهم، وهذه هي عوامل النجاح التي يحتاجها أي عمل درامي لكي ينجح.

عندما ينقطع شبابنا عن القراءة، فإن علينا ألا نتركهم فيما هم عليه، وإنما علينا أن نبحث عن أساليب أخرى تقدم لهم ما فاتهم من تاريخ بلدهم عندما توقفوا عن القراءة. السينما هي إحدى أهم أدوات تكوين مخيلة الأمة وثقافتها، فليبادر الفنانون، ولتحرص الدولة على تشجيع مثل هذه الأعمال ورعايتها، كواحدة من أدوات تشكيل وعي الأجيال الشابة.

إعلان

إعلان

إعلان