إعلان

4 سنوات على ثورة 30 يونيو

4 سنوات على ثورة 30 يونيو

محمد جمعة
09:00 م الثلاثاء 04 يوليه 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

 

تزامنت ثورة الـ30 من يونيو2013، مع معطيات محلية وإقليمية شديدة الوطأة على مصر والعالم العربي. آنذاك كانت المنطقة –وما تزال- تكابد تداعيات موجة المد الرابعة للنشاط الإرهابي، منذ نشأة تنظيم القاعدة في العام 1988.

فأول موجة مد للنشاط الإرهابي كانت في تسعينيات القرن الماضي، وتُوجت بأحداث 11 سبتمبر 2001، تلتها موجة جذر، من خلال القضاء على البنية التحتية للقاعدة في أفغانستان، واعتقال ومطاردة قادتها. ومع الغزو الأمريكي للعراق عام2003 بدأت موجة المد الثانية، وتبعتها موجة جذر فى العام 2006، بعد أن ضعفت القاعدة في العراق بشكل حاد. ثم جاءت موجة المد الثالثة بين عامي 2007: 2009، بعد صعود القاعدة في المغرب العربي، والجزيرة العربية، تلتها موجة جذر جديدة توجت بمقتل أسامة بن لادن في العام 2011.

ومع أواخر العام 2012 تقريبا (أي قبل شهور من ثورة 30 يونيو) كانت موجة المد الرابعة، التي جعلت من خطر الإرهاب في المنطقة ليس خطرا رئيسيا فحسب، بل هو الخطر الرئيسي على الأمن القومي لعدد من دول الإقليم.

ذلك أن 99% من الهجمات التي نفذتها تنظيمات السلفية الجهادية بمسمياتها المختلفة، استهدفت أهدافا لـ"العدو القريب"، أي أهداف محلية، وجيوش وأجهزة أمنية وطنية.

وخلال العام 2013 فقط (أي عام الثورة) شهدت المنطقة العربية وحدها 3800 حادث إرهابي، من بين 9800 حادثة على مستوى العالم، أي ما نسبته 40% تقريبا.

وفى العام التالي مباشرة –2014-، ارتفع عدد الاعتداءات الإرهابية بنسبة 35%، فيما ارتفعت الخسائر في الأرواح بنسبة 81% مقارنة بعام 2013، أي أن العمليات الإرهابية أصبحت أكثر فتكا. 

في ذات الوقت كانت هناك زيادة في عدد عناصر السلفية الجهادية ( وليس التنظيمات) تقدر بالضعف تقريبا خلال الفترة من 2011: 2014.

والأخطر من كل ذلك، أن منطقة الشرق الأوسط ظلت المسرح الرئيسي للهجمات الإرهابية الانتحارية. ووقع في عام الثورة (2013) 163 هجوما انتحاريا تسببت في سقوط ضحايا تقدر بنحو 1950 فردا.

أما في عام 2014، فوقعت حوالى 370 هجمة انتحارية (مثلت نحو 60% من العمليات التي شهدها العالم في ذات العام) بخسائر في الأرواح تقدر بـ2750 فردا. ونتيجة لكل ذلك، ضمت قائمة الـ10 دول الأكثر تضررا من الإرهاب، 4 دول عربية.

أما مصر، فعاشت أجواء حرب يمكن تصنيفها بوصفها صراعا ذو كثافة منخفضة. وجابهت أخطارا متعددة:

- خطرا - ظل يتزايد- من الحدود الليبية.

- وعنفا إخوانيا في قلب المدن المصرية.

- وسعيا حثيثا من قبل داعش لتوسيع نطاقها، وتعزيز قدراتها في شبه جزيرة سيناء.

في سياق إقليمي ومحلي كهذا، كان من الطبيعي أن تشتمل الاستجابات المصرية على استراتيجيات متنوعة تراعى تنوع جبهات المواجهة ومعطياتها المختلفة، وكذلك التفاوت في درجة الخطر الذي تمثله كل جبهة. في الداخل، تبنت مصر ما اصطلح على تسميته بـ"استراتيجية الإنهاء"؛ أي السعي لتقويض التنظيمات الإرهابية، بنزع سلاحها أساسا بالقوة العسكرية والتدابير الأمنية.

ولتطبيق هذه الاستراتيجية على الأرض تبنت القاهرة منهجا ذا بعدين، هما:

1-عمل أمني وعسكري يتصاعد تبعا لحجم وكثافة الخطر الإرهابي:

حيث أسفرت العمليات العسكرية والأمنية، منذ أن طلب الرئيس السيسي تفويضا شعبيا لمكافحة الإرهاب في يوليو 2013، عن مقتل أكثر من ألف من الإرهابيين، في شمال سيناء وداخل الوادي والدلتا.

2- تشريعات داخلية توفر غطاء قانونيا لعمليات مكافحة الإرهاب، وأهمها قانون "حماية المنشآت العامة" في أكتوبر 2014، وقانون "الكيانات الإرهابية" في  فبراير 2015، ثم قانون "مكافحة الإرهاب" الذى تم التصديق عليه في أغسطس 2015.

ومن أبرز ما استحدثه القانون الأخير أنه يساوي بين عقوبة التحريض على ارتكاب جريمة إرهابية، وممارسة الجريمة ذاتها، من حيث الأثر المترتب عليها.  بمعنى أن المُحرِض يُعاقب بموجب القانون الجديد، بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة، ولو لم يترتب على هذا التحريض أثر. 

أيضا حسم هذا القانون الجدل المثار حول خطاب الكراهية وخطاب التحريض على القتل والعنف وما إذا كان مستوجبا للعقوبة أم لا في السياق المصري.

أما على المستوى الإقليمي، فرغم القيود التي كانت مفروضة آنذاك على تحركها في الإقليم، اضطرت "مصر– السيسي" للاستجابة للتحديات الأمنية، حيث كانت الديناميكيات الإقليمية والمحلية مستمرة في استنزاف المنطقة، وفي ممارسة ضغوط كثيفة على الهياكل السياسية والاجتماعية الاقتصادية للعديد من دول الإقليم.

خلال تلك السنوات الماضية، أظهرت السياسية الإقليمية لـ"مصر- السيسي"، القاهرة كطرف يكافح الإرهاب، ويتشبث بوحدة وتماسك الدول العربية، والحدود الثابتة والمستقرة.

في مواجهة الأخطار المباشرة القادمة من الجوار المباشر مثل ليبيا وغزة (حيث التداخل الشديد مع الإرهاب في سيناء، وفى الداخل المصري)، بدت المقاربة المصرية، ثمرة مخاوفها الداخلية من الإرهاب وعدم الاستقرار، وعنف الإخوان.

وخارج الحدود المباشرة لمصر، وفى مواجهة الأخطار غير المباشرة، -حيث كانت داعش تتمدد (آنذاك) في العراق وسوريا، بالتزامن مع تعاظم نفوذ القاعدة (جبهة النصرة) فى سوريا، وتفاقم المخاطر على كل من لبنان والأردن، وحيث كانت القاعدة تعزز من نفوذها ومواقعها فى اليمن-، بدت المقاربة المصرية أكثر تنوعا، وأقل تأثرا بالسياسة الداخلية.

في جوهرها، أظهرت السياسية الإقليمية لمصر، من هذه الناحية، القاهرة فى صورة الطرف الذى يهتم بالاستقرار الإقليمي أكثر من الولاءات الطائفية... ينأى بنفسه بعيدا عن التوظيف السياسي المكثف لثنائية "السنة في مواجهة الشيعة" التي جرى –ويجرى- توظيفها في صراعات الشرق الأوسط .

وكطرف يقدم خطر الإرهاب على الانخراط في سياسات التنافس الإقليمي، ينحاز للحلول والتسويات السياسية، ويرفض الاستمرار أو الانخراط في المواجهات العسكرية. يسعى لهندسة الوضع العبثي الراهن الذي يشكل بيئة حاضنة ومواتية لتمدد وانتعاش تنظيمات السلفية الجهادية، مثلما يعتقد بعبثية خيار" الحسم العسكري" لتسوية الصراعات في ظل نظام إقليمي محطم. يهتم ببناء منظومة للأمن الإقليمي (كون الشرق الأوسط هو من بين الأقاليم القليلة التي من دون أي مظهر للأمن الإقليمي) لمجابهة خطر الإرهاب، ولاحتواء الصراعات، وإدارة الشؤون الإقليمية الداخلية.

إعلان