إعلان

فتح "المدائن".. نهاية دولة الفرس وتحقيق نبوءة النبي

03:22 م الثلاثاء 23 أكتوبر 2018

طاق كسرى التاريخي في المدائن

كتب – هاني ضوه :

ما أن انتهت معركة القادسية بين جيش المسلمين بقيادة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وجيش الفرس، حتى اتجهت الأنظار نحو عاصمة الفرس ومقر حكمهم وسكن الأكاسرة وهي منطقة المدائن، لكسر شوكة فارس إلى الأبد إحدى أعظم إمبراطوريتين في ذلك الوقت.

ففي مثل هذا اليوم 14 من شهر صفر سنة 16 هجريًا، أمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابي سعد بن أبي وقاص بالاتجاه نحو "المدائن" عاصمة فارس لفتحها والسيطرة عليها، وبالفعل تم ذلك بعد مواجهات كثيرة في الطريق إليها مُنيَّ فيها جيش الفرس بالهزائم.

وذكر الإمام الطبري في كتابه "تاريخ الأمم والملوك" أن جيش المسلمين استطاع بعد ذلك محاصرة مدينة "بهر سير"، وأرسل قائد جيش المسلمين سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه الخيول فأغارت على من ليس له عهد، وأرسل سعد لهم يستأذنهم إما دفع الجزية أو الإسلام، وقد استمر الحصار لمدة شهرين كاملين.

وقد أشار بعض المسلمين من الفرس على سعد بن أبي وقاص أن يستخدم المنجنيق لدك أسوار المدينة، ولم يكن العرب يعرفونه منه قبل، وبالفعل ظل جيش المسلمين يدك المدينة شهرين بالمجانيق ويدبون اليهم بالدبابات ونصبوا على المدينة 20 منجنيقاً فشغلوهم بها واشتد الحصار بأهل المدائن الغربية، فانهارت المدينة، واستطاع المسلمون دخولها، وقد كان جيش المسلمين يصل عدده إلى 60 ألف جندي.

طاق كسرى او إيوان كسرى وهو قصر من قصور كسرى الذي تهدم وبقيت أثاره في مدينة المدائن في العراق

وواصل جيش المسلمين بعدها طريقه لاقتحام المدائن، وعندما وصل سعد بن أبي وقاص إليها قال لجيشه: "قولوا نستعين بالله ونتوكل عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

وذكر الإمام ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" أن جيش المسلمين لما وصل إلى مقربة من المدائن رفع الفرس السفن والمعابر من نهر دجلة وأحرقوا الجسور التي توصل إلى القسم الشرقي من المدينة، فخطب سعد المسلمين على شاطئ دجلة فحمد الله وأثنى عليه وقال:

"إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليهم معه، وهم يخلصون إليكم إذا شاؤوا فينا وشونكم في سفنهم، وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه، وقد رأيت أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل أن تحصركم الدنيا، ألا أني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم".

وطلب من عاصم بن عمرو أن يختار ستون من الشجعان المذكورين – والأعاجم، وتقدم رجل من المسلمين وقد أحجم الناس عن الخوض في دجلة، فقال: أتخافون من هذه النطفة؟ ثم تلا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابا مُؤَجَّلا}.. [آل عمران: 145] .

ثم أقحم فرسه فيها واقتحم الناس، وقد افترق الستون فرقتين أصحاب الخيل الذكور، وأصحاب الخيل الإناث. فلما رآهم الفرس يطفون على وجه الماء قالوا: ديوانا ديوانا. يقولون: مجانين مجانين.

ثم قالوا: والله ما تقاتلون إنسا بل تقاتلون جنا. ثم أرسلوا فرسانا منهم في الماء يلتقون أول المسلمين ليمنعوهم من الخروج من الماء، فأمر عاصم بن عمرو وأصحابه أن يشرعوا لهم الرماح، ويتوخوا الأعين، ففعلوا ذلك بالفرس، فقلعوا عيون خيولهم.

فرجعوا أمام المسلمين لا يملكون إيقاف خيولهم حتى خرجوا من الماء، واتبعهم عاصم وأصحابه فساقوا وراءهم حتى طردوهم عن الجانب الآخر، ووقفوا على حافة الدجلة من الجانب الآخر، ونزل بقية أصحاب عاصم من الستمائة في دجلة فخاضوها حتى وصلوا إلى أصحابهم من الجانب الآخر، فقاتلوا مع أصحابهم حتى نفوا الفرس عن ذلك الجانب، وكانوا يسمون الكتيبة الأولى: كتيبة الأهوال، وأميرها عاصم بن عمرو.

وبذلك تم فتح المدائن، أقوى وآخر معاقل الفرس، وبفتحها انهارت دولة فارس. ويذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" أن المسلمين ظفروا بمغانم كثيرة بفتح المدائن، من الذّهب والفضّة والثّياب، فأُرسل بها إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، حيث ضمّت الغنائم سواري كسرى، فأعطى الفاروق السوارين لسراقة بن مالك؛ وفاءً بوعد الرّسول -صلّى الله عليه وآله وسلّم- لسراقة عندما هاجر مع صاحبه أبي بكر الصّديق -رضي الله عنه- فراراً من أذى قريش، وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "الحمد لله؛ سوارا كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك"، ويُطبق الحزن والبكاء على عمر ويقول: "اللهمّ إنّك منعتَ هذا رسولك ونبيّك، وكان أحبّ إليك منّي، وأكرمَ عليك منّي، ومنعته أبا بكر، وكان أحبّ إليك مني، وأكرم عليك منّي، وأعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بي".

فيديو قد يعجبك: