إعلان

أم الشهيد.. تضحية وعطاء فتكريم وتقدير

نورا عبد الفضيل

أم الشهيد.. تضحية وعطاء فتكريم وتقدير

10:54 م الثلاثاء 30 مارس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: نورا عبد الفضيل

عضو فتوى بمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية

تحية إجلال واحترام إلى كل أم ربَّت ورامت وأحنت وفاضت بحنان الأمومة علي أولادها، فهي النبع ونهر الحب الذي لا ينضب، دون انتظار لردِّ جميل أو عرفان، فالأمُّ هي الرحيق الذي يُتنَفس به لكل أفراد أسرتها، و هي عبَق الياسمين الذي يفيح شذى حبها في أرجاء منزلها فتنثره حبًّا وعطفًا ووئامًا، وهي شريان الحياة الذي يضخُّ الدمَّ المحمَّل بالأكسجين إلي كل أفراد أسرتها، والهالة الوضَّاءة التي تنير الدرب لأفراد عائلتها، وهي موضع الحنان والرحمة الذي يأوي إليه أبناؤها؛ فإلى كل من حملت، وأنجبت، وربت، وسهرت، وضحت، وتحمَّلت لتجني ثمار زرعها، تحية حب وتقدير واحترام، فكل عام وأنت الأمل والحب والوئام، كل عام وانت بألف خير.

من أجل ذلك وبمناسبة الشهر الذي يحمل لها جزءا من تقديرها، ارتأينا تحرير هذا المقال لنتحدث فيه عن أُمَّهات الشهداء، كونهن خير معراجٍ لنا ولكل الأمهات، ونوضح كيف ضربْن أروع الأمثلة في التضحية من أجل الأوطان!، ولماذا شَرُفنَ بتلك الخيرية !، وماذا قدمن للأوطانِ!، وما الجزاء الذي أعده المولى عز وجل لأمهات الشهداء!

أولا: خيرية أمهات الشهداء

إن أم الشهيد نالت تلك الخيرية؛ لأنها وهبت فلذات أكبادها فداء للأوطان، ولم تتراجع ولو لحظةٍ في التضحية بنفسها وولدها، كل ذلك لتنال الخيرية من عند الله، وأقول لها: لا تبكِ يوم عيدك، ويكفيكِ من الفخر أنك قدمتِ لنا القدوة والنموذج الذي افتدانا بحياته، ويزيدك من تيجان العزة والشرف والقوة والغلبة، إن ابنك استُشهِد من أجل وطنه، وهو الذي دافع عن الوطن والعرض، ولم يفرِّط أو يخُن في ذلك ولو لحظة.

ثانيا: التضحية من أجل الأوطان

لقد علَّمنا الدين الحنيف حب الأوطان والتضحية من أجلها، وهذا ما وجهنا إياه رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم-و ذلك عندما خرج من مكة وقال قولته المشهورة " "أَمَا وَاللَّهِ لأَخْرُجُ مِنْكِ، وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكِ أَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ إِلَيَّ وَأَكْرَمُهُ عَلَى اللَّهِ، وَلَوْلا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ"، فمن هذه الكلمات العَطِرة نستلهِم مدى حب الوطن عند رسول الله ﷺ. وبعد الانتقال الي المدينة المنورة رأينا تعلق رسول الله بحب المدينة وأهلها.

ومن هنا أرشد الرسول- صلى الله عليه وسلم- الصحابة إلى التضحية من أجل رفعة الأوطان؛ ومن أمثلة هؤلاء عمرَو بنَ الجموحِ وكان رجلًا أعرجَ شديدَ العرَج، وكان له بنونَ أربعةٌ مثلُ الأُسْد، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، فلما كان يومُ أُحُدٍ أرادوا حَبْسَه، وقالوا له: إن الله عز وجل قد عَذَرَك، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بنِيَّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه، والخروجِ معك فيه، فو الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمَّا أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك "، وقال لبنيه: " ما عليكم ألّا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة "، فخرج معه فقتل يوم أُحُد.

إن الدرس الذي تعطيه كلُ أم شهيد في عيدها هو التضحية في أسمى معانيها، درسٌ يُلقَّن لكل الأعمار، ومعني التضحية هو أن نقدم أروحنا فداء وتضحية لله عز وجل ولرفعة الأوطان وإسعاد الآخرين؛ ولذا فقد أعطي الله الجزاء الأوفى للشهيد فقال تعالي في سورة آل عمران {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)} .

ومن هنا وطمعاً في هذا العطاء والجزاء الإلهي يتسابق الجميع بتقديم وبذل روحه فداءً وحبا لله ولرفعة الأوطان، ولقد ضربت لنا أمهات الشهداء أروع الأمثلة في التضحية بكل غالٍ ونفيس، فتضحى الأم بحياتها في سبيل أبنائها، وتضحى بأبنائها في سبيل الوطن، فهي فقط من تستطيع حثَّ أبناءها على التضحية بأنفسهم في سبيل مجتمعاتهم، متقبِّلة ذلك بنفس صابرة خاشعة راضية بقضاء الله وقدره، فنرى ونسمع كل يوم عن أبطال يستشهدون ويتركون أمهاتٍ وزوجاتٍ وأبناء، يصبرون ويحتسبون ذلك كله عند الله عز وجل، فلهم الثواب العظيم والجزاء من الله عز وجل.

وممن ضربت لنا أروع أمثلةٍ التضحية في الإسلام بأبنائها الأربعة هي الصحابية الجليلة (الخنساء بنت عمرو) فقد فقدت فلذات أكبادها في معركة القادسية، وعندما علمت الخبر قالت: الحمد للَّه الّذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقرّ رحمته"، ومن هنا نتعلم الدرس وهو الفداء من أجل رفعة الأوطان.

وحري بنا أن ننوه إلي أن الشهداء ليسوا محصورين فى شهداء المعارك، بل هناك شهداء يُضحون بأنفسهم كل يوم وهم جنودنا "جنود الجيش الأبيض"؛ الأطباء الذين نفقدُ منهم كل يوم أغلى شبابنا، كما يجب ألا ننسي رجال الشرطة فهم يقدمون أرواحهم من أجل تطهير البلاد من الفاسدين والخارجين علي القانون، ولا أدل علي ذلك من تلك الملحمة التي سطّر فيها الشهيد (علي علي) أسمى وأعلى درجات البطولة في معركة (كمين البرث) بشمال سيناء في شهر يوليو 2017 م، حيث ذكرت كثير من المصادر أن هذا الجندي كان قد تلقى نحو60) طلقة) اخترقت جسده الطاهر بعد بسالة منه أمام عدوه، فتحية إعزاز وتقدير لأم هذا البطل التي تلقت هذا المصاب بكل جلدٍ، محتسبةً إياه عند الله عز وجل، وتحية لكل أم ربَّت شهيداً، و لكل أمٍّ صبرت على فراق فلذاتِ أكبادها.

جزاء أمهات الشهداء

إن الله عز وجل وعد في كتابه المكنون أن من صبر واحتسب المصائب عند الله عز وجل وفوض الأمر كله لله له الجزاء العظيم الذي لا يعلم مقداره إلا هو، فقال في كتابه ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) سورة الزمر ( 10). ويذكر الطبرى في تفسير تلك الآية: إنما يعطي الله أهل الصبر على ما لقوا فيه في الدنيا أجرهم في الآخرة بغير حساب، ولمن صبر ورضي واحتسب من الثواب العظيم والأجر الجزيل، وقال الله تعالى - عز وجل - في كتابه في سور البقرة - وكفى بهذه الآية واعظًا ومسليةً وكاشفةً للكروب، ومُذهبةُ للهموم- قال الله تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ. أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157]، فهي علاج من الله عز وجل لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة، بل إنه أبلغ علاج وأنفعه للعبد في آجله وعاجله، فإذا ما تحقق العبد أن نفسه وماله وأهله وولده ملك لله عز وجل قد جعلها عنده عارية فإذا أخذها منه فهو كالمعير يأخذ عاريته من المستعير؛ فهل في ذلك ضير؟ لا؛ والله فهو الخليفة في المال والولد.

عزيزتى أم الشهيد!

يتزامن الاحتفال بيوم الأم مع الاحتفال باليوم العالمي للشهيد في الشهر نفسه، فنحتفل سويًا بهما، وهنيئا لك بهذا اللقب( أم الشهيد)، فقد استحققته عن جدارة؛ حيث ربيْت من يقدم روحه ونفسه للتضحية بدون مقابل؛ فهي ليست أية تضحية بل تضحية بالنفس، وهى وأعظم ما يملك الإنسان، ارفعي رأسك بكل فخر واعتزاز، ولا تيأسى أو تحزني؛ ففقيدك حيٌ عند ربه يتنعم في جنات الخلد، وكل عام وكل أمُ شهيدٍ بكل خير.

إعلان