إعلان

رحمة خاتم الأنبياء بالضعفاء والفقراء!

د. أسامة أمين سيد بدوي

رحمة خاتم الأنبياء بالضعفاء والفقراء!

09:09 م الخميس 29 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د. أسامة أمين سيد بدوي
مدرس الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وعضو مركز الأزهر العالمي للفتوى

تحل علينا ذكرى المولد النبوي الشريف محملة بنسائم الرحمة، ورياحين الهدى، تسكب في قلوبنا عبير المنة الربانية ببعثة خير البرية صلى الله عليه وسلم، ذلك الحدث العظيم الذي غيَّر معالم التاريخ الإنساني، وجاء بالرحمة العامة لكل إنسٍ وجِنِّي، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].

وتتجلى مظاهر الرحمة في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله ووصيته بالضعفاء والفقراء، وهي جانب مهم في حياتنا المعاصرة، فكلنا يحتاج إلى أن يَرحم كما يحتاج إلى أن يُرحم! ليست الرحمة قاصرة على فئة دون فئة ولا جانب دون جانب، بل هي الرحمة العامة التي تملأ جنبات المجتمع بالتآلف، والتوادِّ، والتعاطف، والتراحم، ففي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم، مثلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تَداعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمَّى».

فهذا مثلٌ للرحمة العامة، التي لا تقف عند حدود الأُبُوة والبُنُوّة، أو العلاقة الزوجية، بل الكل يرحم، الرئيس يرحم المرؤوس، والغني يرحم الفقير، والقوي يرحم الضعيف، والجار يرحم الجار، والقريب يرحم البعيد، فهي رحمة شاملة للإنسانية، ناقلة لمحاسن الشريعة الإسلامية.

ومن مظاهر الرحمة بالضعفاء أنها تنزع من النفس احتقار الآخر أو انتقاصه، أو التقليل منه على حساب الجاه، أو الحسب، أو النسب، أو المناصب المرموقة، ففي صحيح البخاري من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا» فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا».

فهذا الحديث يؤصّل للكرامة الإنسانية التي لا تحابي أو تجامل، ولا تعطي الغني حقًّا لا يستحقه، أو تسلب الفقير حقًّا يستحقه!.

ومن مظاهر الرحمة بالضعفاء والفقراء: إعلاء مكانتهم، والإشادة بجهودهم في حال السِّلم والحرب، وعدم الانتقاص منهم بذنب لم يقترفوه، فقد رأى الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص أن له فضل على غيره لشجاعته أو إقدامه، أو غناه، كطبيعة النفس البشرية، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلفت انتباهه، ويحثه على التواضع وخفض الجناح، وإعلاء مكانة الضعفاء، ففي صحيح البخاري من حديث مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَى سَعْدٌ رضي الله عنه أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ؟».

فهذه أخلاق الإسلام التي بُعث النبي صلى الله عليه وسلم لإرسائها، ما أحوجنا أن نتحلى بها لتصلح بها دنيانا وآخرتنا، والله نسأل أن يعيننا على ذلك، وصَلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

إعلان