إعلان

رحمة خالد.. درسٌ لاحترام الآخر

هبة صلاح - باحثة ومترجمة بدار الإفتاء المصرية

رحمة خالد.. درسٌ لاحترام الآخر

08:16 م الخميس 13 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: هبة صلاح

باحثة ومترجمة، دار الإفتاء المصرية

أطلّت علينا لأول مرة في العالم الإعلامية الشابة رحمة خالد صباح الثلاثاء الموافق 11 من ديسمبر 2018 عبر فضائية dmc لتبهرنا جميعًا بأداء واثق ومتميز أمام الكاميرا جعل ضيوفها وزملاءها يثنون عليها على الهواء مباشرة.

لا يمكن اعتبار "رحمة خالد" حالة استثنائية لكونها أول إعلامية بمتلازمة داوون في العالم، ليس هذا هو السبب؛ وإنما هي حالة خاصة تقدم مزيجًا فريدًا من الهِمة والتحدي والإرادة وحب العلم والتعلم والصبر. بعد أداء متميز طوال الحلقة وبشهادة الجميع، وجّهت رحمة خطابها للجمهور تناشد البعض أن يتوقفوا عن مهاجمتها والسخرية منها ويعطوها الفرصة كي تثبت أنها من ذوي القدرات الفائقة والهمم العالية لا من ذوي القدرات الخاصة أو صاحبة إعاقة، وراحت توضح أنها تتعلم من الخطأ وهذا حال كل من يقرر أن يتحدى القوالب الاجتماعية التي تحدد له الأسماء والمسميات والطرق والصفات التي تضعه في قالب نمطي ربما يكسر عزيمته ويجعل منه شخصًا عالة على المجتمع.

هذا النموذج المشرف الذي قدمته لنا رحمة خالد في ظهورها الإعلامي الأول يدل على أن ما رأيناه لابد وأن يكون وراءه جهد عظيم من أبوين آمنا بابنتهما منذ نعومة أظفارها حتى تبدو أمام العالم بهذا التميز وتلك الثقة التي هزت عرش من يتحداها ويتنبأ لها بالفشل.

ما أود التركيز عليه في هذا المقام هو ردود أفعال زملاء رحمة الإعلاميين والضيفة العزيزة التي حلت معها بالبرنامج الدكتور مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة عندما وجهت الإعلامية الشابة رسالتها للجمهور أن يعطوها فرصة أو بلغة علمية أدق أن يوفروا لها "مساحة آمنة" Safe Space حتى تتعلم من الخطأ دون أن تتعرض لانتقاد لاذع أو اعتداء على شخصها. هذه المساحة التي يجب على الجميع إدراكها ومراعاتها في العلاقات الإنسانية كافة.

من يقرأ في سُنة النبي (صلى الله عليه وسلم) يتعلم الكثير والكثير عن هذه المساحة الآمنة التي نخص بها الحديث هنا، فسيرته (عليه الصلاة والسلام) تعج بالأمثلة التي نقرأها ونمر عليها مرور الكِرام أو ربما أقصى شيء نفعله هو أن نتنهد ونتمتم في سرنا يا حبيبي يا رسول الله، ثم ننصرف وكأننا لم نقرأ شيئا! كان النبي خير من يحترم الآخر أثناء الحديث ولا يتكلم إلا إذا فرع المتحدث من كلامه وكان يفعل ذلك مع المسلمين وغير المسلمين، فلا يقاطع أحدا أثناء حديثه أو حتى يعدل عليه كلامه، فعندما أسلم سيدنا حمزة، رأت قريش أن ترسل للنبي من يتحدث إليه ليثنيه عن رسالته، وكان عتبة بن ربيعة وكنيته أبو الوليد الذي استمع النبي إلى كلامه، ثم قال له بكل أدب: "أفرغت يا أبا الوليد" فقال: "نعم"، هنا قال النبي: "فاسمع مني". حوار هادئ حتى وإن كانت العداوة والبغضاء في ذروتها، إلا أن النبي علمنا كيف تكون المساحة الآمنة لتدل على احترام الآخر.

في مثال آخر، هذا الأعرابي الذي دخل ليبول في المسجد، فقام إليه الصحابة يعنفونه ويوبخونه، فما كان من النبي (عليه الصلاة والسلام) إلا أن منع أصحابه وأمرهم أن يتركوا الرجل يقضي حاجته، ثم قال لهم: "أريقوا على بوله ذنوبًا من الماء"، ثم بعد ذلك علّم الأعرابي أن المساجد لها آداب حتى لا يكرر نفس الخطأ مرة أخرى.

هكذا كانت المساحات الآمنة لاحترام الآخر في حياة النبي المُعلِم الهادي الذي تركنا على المحجة البيضاء، وظهور رحمة خالد في الإعلام لابد أن يعلمنا جميعا أن الاحترام حق للجميع ومن ذلك اختيار الألفاظ والمسميات التي نطلقها على الآخر.

بالطبع تناولت الصحف والسوشيال ميديا خبر ظهور رحمة خالد في الإعلام لتتصدر عناوين الصحف على أنها "أول مذيعة من ذوي الإعاقة" أو من "أصحاب متلازمة داوون" وغيرها من المسميات التي عبرت عنها الإعلامية الشابة بمنتهى البساطة "كفاية تنمر"! جميع الأديان السماوية وغيرها تُعِلم أتباعها أن الكلمة لها مفعول السحر، فإن كانت طيبة نفعت قائلها بالثواب وأسعدت المخاطب بها، وإن كانت غير ذلك كُتِبت سيئة على قائلها وشوهت نفسية المخاطب، ولذا علينا أن نتعلم أن "اللفظ سعد" فتخيروا ألفاظكم جيدا ومرروها على عقولكم وقلوبكم قبل ألسنتكم، من الرحمة أن نتعامل مع رحمة خالد وغيرها من أصحاب النماذج المشرفة بوعي مجتمعي أكثر من ذلك وننحني لهم احترامًا على إرادتهم وهمتهم التي تعطينا دروسًا في احترام الآخر واحترام الذات، فكل ميسر لما خٌلِق له.

إعلان