إعلان

ضرب التلاميذ.. هل يتفق الرأي الشرعي ووجهة نظر المعلمين وعلم النفس التربوي؟

02:50 م الثلاثاء 24 سبتمبر 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- آمال سامي:

مع بدء العام الدراسي الجديد وتداول كثيرين فتوى سابقة لدار الإفتاء المصرية صرحت فيها بتحريم ضرب التلاميذ في المدارس واعتبار ذلك "غير جائز"، ذكرت دار الإفتاء في نص فتواها أن الإسلام هو دين الرحمة، وقد وصف اللهُ حبيبَه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بأنه رحمة للعالمين؛ فقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وأن أولى الناس بالرحمة هم الأطفال؛ لضعفهم واحتياجهم الدائم إلى من يقوم بشؤونهم، حتى جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدم رحمة الصغير مِن الكبائر؛ فقال: "لَيْسَ مِنَّا مَن لمْ يَرْحَمْ صَغِيرنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبيرِنَا" رواه الترمذي، ولم يرد عنه أنه ضرب طفلا قط، . وأضافت أن الطفل قبل البلوغ ليس مكلَّفًا، فوجب التعامل معه -بغير ضرب- على جهة التأديب والتربية فقط لا على جهة العقاب؛ لأن العقاب إنما يكون على ارتكاب محرَّم أو ترك واجب.

وعن التلاميذ الكبار البالغين قالت دار الإفتاء اعن التعامل معهم يكون من منطلق أنهم مكلَّفون بالغون، "والبالغ لا يُضرَبُ إلا في حدٍّ أو تعزير، وهو من سلطة ولي الأمر ولا يكون إلا بإذنه، وإذا رأى وليُّ الأمر منعَ الضرب في المدارس بمراحلها المختلفة، بل وتوقيعَ العقوبة على مُمارِسِهِ، فله ذلك شرعًا، ويجب الالتزام به".

ويعلق على ذلك الدكتور أحمد العشماوي، أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، قائلاً إن الضرب في حديث "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر"، جاء في معرض الأمر بالصلاة خاصة بقصد تطويع من يجهل الصلة بالله لا غير، وأكد العشماوي أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب غلامًا بقصد التعليم ولا أمر بذلك، وأن الحل يكمن في المثابرة وإيجاد الحيل لكسب الأطفال وجعلهم يحبون التعليم، "لأن الضرب سلاح المدرس المفلس قصير البال".

هل يمكن أن يتعامل المدرس مع الطلبة بدون أن تكون هناك عقوبة بدنية؟

"في بداية حياتي كنت باستخدم الضرب كوسيلة للعقاب، لكني غيرت طريقتي تمامًا بعد ذلك، فالضرب بالفعل ليس هو الوسيلة المناسبة لعقاب الطالب".. هذا ما أكده نادر إبراهيم، مدرس أول الرياضيات، 41 عامًا، ويضيف في حديثه لمصراوي أن المدرس يستطيع بالطبع ألا يتعامل مع تلاميذه باستخدام أي عقوبة بدنية، فهناك الكثير من المدرسين الذين يتعاملون مع الطلبة بدون استخدام "العصاة"، وهناك مدرسون كثيرون يدخلون فصولهم بدون أي عصاة ويستطيعون التعامل مع الطلبة.
وأرجع نادر ذلك إلى طبيعة شخصية المدرس نفسه. يضيف نادر أن الجيل الجديد الآن مختلف تمامًا، فالطالب ممكن "يوصل المدرس لاستخدام العصاة ويجعله يتهور في التعامل معه" وهناك أولياء أمور يقولون لأبناءهم "لو المدرس كلمك وحش رد عليه، ولو ضايقك أضربه".
يؤيد نادر إبراهيم تمامًا فتوى دار الإفتاء، ويقول انه يضع نفسه مكان ولي الأمر، فهو لا يرضى أن يعود ابنه مهانا ومضروبا من مدرسته مثلًا، فالعقاب مطلوب، لكن ليس بهذه الطريقة، لكن يقول نادر من ناحية أخرى "المدرسين مش هبل بيضربوا وخلاص أكيد في سبب" والحل أن يعرف ولي الأمر لماذا ضرب المدرس ابنه بدون أن يهين المدرس أو يتعدى عليه أيضًا حفاظًا على احترام المدرس، بالإضافة إلى ان الطالب قد اخطأ بالتأكيد.

أما محمد جمال، مدرس الدراسات الاجتماعية، 31 عاما، فلا يعترض على فكرة منع الضرب ولكن يريد أن يكون هناك بديل للضرب، ولا يقصد جمال بالضرب الضرب المبرح، لكن استخدامه كتهديد للطالب حتى لا يخطيء، فما البديل للثواب والعقاب في غياب ذلك؟
ويضيف جمال، في حديثه لمصراوي، أنه إذا كانت هناك مشكلة يجب أن يتم علاجها بين ولي الأمر والمدرس مع احترام المدرس والحفاظ على اعتباره كقدوة، فيتحدث مع المدرس بدون وجود الطالب ولا يحرض ابنه على عدم احترام المدرس.

"الضرب هيخوفه أول يوم وتاني يوم بعد كده مش هيخوفه" تقول مايسة فاضل، أستاذة علم النفس التربوي بالمركز القومي للامتحانات، وتضيف أن أي إيذاء بدني يشعر به الطفل بالإهانة تقتل عنده الحمية، فهناك رأي لابن خلدون يقول فيه إن الطفل الذي يعتاد على الإيذاء البدني أو الضرب تقتل فيه الحمية والشجاعة والشخصية القوية، وتجعله يعتاد الكذب ليهرب من المسئولية إن اخطأ حتى لا يضرب. فما هو بديل الضرب؟ أي تربوي أو معلم مهني يفهم مهنته بشكل جيد وعنده ضمير سيستطيع أن يفهم مفاتيح شخصية كل طفل، فكل واحد منهم له نمط تعلم، وسيراعي الفروق الفردية بين الأطفال وينوع من طرق التدريس وطرق العقاب، فبدلا من أن يكون إيذاء بدنيا من الممكن أن يكون حرمانا من شيء يحبه "الضرب إهانة لا تنسى من عقل الطفل"، وعند العقاب يجب أن يعرف على ماذا يعاقب وفيم أخطأ وما البديل، فالضربة الخفيفة على اليد أو في الاشاحة بالوجه تؤثر أكثر من الضرب المبرح. ترى مايسة أن من بين الطرق المختلفة الكثيرة للعقاب يختار المدرسون الضرب لأنهم يستسهلونه، على الرغم من أنه مع الوقت لن يؤدي لنتيجة. وتقول مايسة أن النماذج المشوهة التي نراها في المجتمع هي نتيجة تربية خاطئة في الماضي، وهذا يستلزم أن نربي المدرس في البداية بشكل صحيح، وأن تؤدي كليات التربية دورها بشكل صحيح ونعده إعدادًا جيدًا للتعامل مع الطلبة.

عدم تربية الطلبة بشكل جيد والتعامل معاهم بعنف في المنزل لا يبرر الرد عليهم بعنف، تقول مايسة مؤكدة أن على المدرس أن يحاول استيعاب الطالب ويعاقبه بطرق تربوية أخرى فالعنف إذا لم يقابل بلين لن ينتهي. على الرغم من الظروف والضغوط التي يعاني منها المدرسون التي تدركها جيدًا الخبيرة التربوية حسب قولها إلا انها كانت تقول لطلبتها أن المعلم الذي لا يرى في نفسه قدرة في تحمل أولاده يترك المكان، لأن الخطأ الذي يخطئه يعيش مئات السنين، لأنه يربي بطريقة خطأ ويظل خطأه يتنقل عبر الأجيال.

كيف كان يتعامل النبي مع الأطفال؟

يوضح لنا الدكتور أحمد العشماوي كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأطفال والمراهقين ويصوب أخطاءهم، فيقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب الأطفال ويقبلهم وأناخ ظهره لهم ليرتحلوه ولما قال له الأقرع بن حابس :اتقبلون صبيانكم؟ إن لي عشرة من الأبناء ما قبلت أحدهم؟ فقال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم "وما أملك لك ان نزع الله من قلبك الرحمة. من لا يرحم لا يرحم".

وأضاف العشماوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسأل الدعوات الطيبات الصالحات من الأطفال وكان يقول هؤلاء لم يبلغوا الحلم ولم يجر عليهم القلم. ويؤكد العشماوي أن من حق الأطفال الرحمة والرأفة لأن ذلك يؤثر بالإيجاب في حياة الأطفال المستقبلية وأما القسوة عليهم حتى ولو كانت على سبيل التعليم فإنها تؤثر سلبا على حياة الطفل مستقبليا لأنها تخلق منه شخصا عدوانيا معقدا نفسيا ولهذا حذر من عواقب القسوة والغلظة على الأطفال في حديث نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم للأقرع بن حابس "من لا يرحم لا يرحم". "الكيل الذي يكيل به الإنسان مردود عليه ويكال له به وليحذر الآباء من أن يتركوا أبنائهم عرضة لأذى يعلق في ذاكرتهم من جراء العقوبة بالضرب في مجال التعليم، لأن التعليم له طرقه المجدية مع الكل، أما العنف لا يأت بخير أبدًا، بل ربما أتى بنتيجة عكسية". ويقول عشماوي أن كثير من الطلاب كرهوا وامتنعوا عن مواصلة المشوار التعليمي بسبب العنف والأذى الجسدي، بل أن كثير من المدمنين والمجرمين والمنحرفين كان السبب في حاله هو العنف في التعليم.

فيديو قد يعجبك: