إعلان

عرض نقدي لفيلم "المفتون" صاحب جائزة أفضل إخراج في مهرجان كان

06:10 م الثلاثاء 30 مايو 2017

يقوم الممثل كولين فيَريل بدور البطولة في فيلم المف

لندن (بي بي سي)

يبدو فيلم "المفتون" للمخرجة صوفيا كوبولا، الذي يشارك في بطولته كولين فيَريل ونيكول كيدمان وكرستين دانست، عملاً رومانسياً يعتمد على المفارقات في البداية، قبل أن تتحول أحداثه إلى طابع غامض ومخيف. الناقد السينمائي نيكولاس باربر يقدم رؤيته النقدية لذلك الفيلم.

"سيكون لوجود هذا الجندي هنا تأثير على ما يبدو"، عبارةٌ ترد على لسان مارثا فارنسوورث (نيكول كيدمان) إحدى شخصيات فيلم (المفتون) والذي تدور أحداثه خلال الحرب الأهلية الأمريكية. وتشكل هذه العبارة مثالاً على ما يتمتع به العمل من فطنة وطرافة، في ضوء ما تنطوي عليه أحداثه من استخفاف واستهانة لا يخلوان من إغاظة طريفة.

ولاشك في أن هذا الطابع هو ما يجعل الفيلم وجبة شهية المذاق. وسيناريو الفيلم مستوحى من رواية لتوماس بي كولينِن، حُوِّلت من قبل إلى عمل درامي مؤثرٍ للغاية قام ببطولته كلينت إيستوود عام 1971. ولكن كوبولا غيرت مسرح الأحداث في هذه المرة من ولاية ميسيسبي إلى فيرجينيا.

وفي فيلمنا هذا يرتدي كولين فيَريل عباءة إيستوود، مُجسداً دور العريف جون ماكبرني، وهو جنديٌ فار من صفوف القوات الاتحادية، لاذ بساقه المصابة بشدة، بغابةٍ تغص بالطحالب وتقع قرب مدرسة داخلية للفتيات.

وهناك، تراه إحدى الطالبات (أونا لورانس) خلال انهماكها في قطف فطر عيش الغراب، وتساعده على الذهاب مترنحاً إلى مقر "معهد فارنسوورث للتعليم اللاهوتي للفتيات"، وهو عبارة عن قصر ضخم تحيطه أعشابٌ كثيرة.

ورغم أن الناظرة المتزمتة مارثا ترفض من حيث المبدأ دخول جندي عدو إلى مقر مدرستها، فإنها ترى أن الاعتناء برجل جريح "هو ما يجدر بأي مسيحي فعله" بغض النظر عن كل شيء. ولا يفرق معها هنا أن يكون ذلك الرجل الجريح وسيماً وطويل القامة وأسمر البشرة قليلاً.

وسرعان ما يكتشف العريف الجريح أنه لا يوجد حوله من بني البشر ولمسافة عدة أميال، سوى مارثا التي تُحممه في فراشه على نحوٍ متحمس وهي ترتجف من اتقاد عواطفها، ونائبتها رثة الملبس إدوينا (كريستن دانست) التي تتوق إلى الحب والمغامرة، بجانب خمس فتيات، من بينهن فتاة لعوب تُدعى أليشا (إيل فاننيغ).

ويدرك جون، الذي يجسده فيَريل بلكنته الإيرلندية ذات الطبيعة الخاصة، كيف يتحدث مع كل منهن على شاكلة تبقيها متقدة المشاعر، وغير مطمئنة أو مرتاحة له في الوقت ذاته.

وهكذا، تقرر النسوة أن بوسعه البقاء معهن، بدلاً من تسليمه إلى أي دورية للقوات الكونفدرالية بمجرد الانتهاء من خياطة جروح ساقه وتضميدها. كما تقررن البدء في ارتداء أفضل أرديتهن وأكثرها أنوثة، وأفخر جواهرهن أيضاً، رغم أن ملابسهن تبدو - بمعايير اليوم - أكثر احتشاماً.

ما يتلو ذلك، يتمثل في مشاهد كوميدية ذكية تدور في غرف النوم، محورها ثعلبٌ غير قادر على تصديق أنه دُعيّ للبقاء في قِن الدجاج.

في غالبية فترات الفيلم، يصب هذا الطابع الذكي الفطن في صالح الأحداث. فعندما تتجسس نسوة العمل على جون وهو يُقطّع الجذوع ويُقلّم الورود في حديقة المدرسة، تدنو هذه المشاهد من تلك التي تضمنها مسلسل "ديسبريت هاوس وايفز" (ربات بيوت يائسات) عندما أراد صناعه تقديم محاكاةٍ ساخرة للأفلام التي تُصوّر رغبة بعض النساء في العمال الحرفيين الذين يعملون في منازلهن.

لكن كوبولا تُبقي هنا على أجواء من الغموض لا تكشف لنا مَنْ مِنَ الطرفين يريد الآخر. وبالمثل، تبقى هذه الأجواء مُخيمةً كذلك على العمل عندما يتحول اتجاه أحداثه فجأة من الكوميديا القائمة على المفارقات إلى رعب (يدور في القصور وممراتها السرية) يرتبط بالجنوب الأمريكي. ففي هذه الحالة لن يتسنى لك أبداً أن تحدد بأي مقدارٍ يرتبط ذلك التحول بالعداء المتعمد، وبأي قدر يتعلق بالحظ العاثر ليس إلا.

على أي حال، لن أكشف النقاب هنا عن كيفية حدوث هذا التحول في طبيعة الفيلم أو سببه. مبرري في ذلك كون حبكة فيلم "المفتون" واهيةً بقدرٍ يجعل المقطع الدعائي المصور الخاص بالعمل يكشف تقريباً عن كل أسراره، وذلك رغم أن الفيلم مبني على الحبكة أكثر من أي عمل آخر أخرجته كوبولا من قبل.

وبرأيي، كان الفيلم سيقترب من حد الكمال إذا تضمنت أحداثه تحولاً آخر أو اثنين. أما بحالته هذه، فإن قصة "المفتون" تبدو مبهمةً ومشوشة قليلاً، إذا قورن العمل بأفلامٍ أخرى تتناول قصص رعبٍ ذات طابع كوميدي ومغزى أخلاقي، وهي أعمالٌ يبدو أنها تشكل "الموضة السائدة" في مهرجان كان السينمائي هذا العام. ومن بين هذه الأفلام بالمناسبة "قتل الغزال المقدس"، الذي تقوم ببطولته كيدمان وفيَريل أيضاً.

وفي ضوء ذلك، يمكن اعتبار أن الطابع المميز لسينما صوفيا كوبولا كان في هذا الفيلم - بشكل ما - مُخيباً أكثر من كونه مُخادعاً، لكن ذلك لا ينفي أن عنايتها بصنعتها الفنية ودقة أسلوبها الإخراجي متميزان للغاية بحق في ذلك الفيلم.

فهي تُشذب القصة لتصبح قابلةً لأن تُقدم في 94 دقيقة فحسب، لتحذف بذلك مشاهد العودة إلى الماضي "فلاش باك" التي تضمنتها نسخة عام 1971، كما جعلت الفيلم يدور بالكامل داخل مدرسةٍ تضيئها الشموع، وتخيم أجواء ضبابية على أرضيتها التي تبدو مبرقشةً بفعل انعكاس أشعة الشمس عليها.

أما أداء الممثلين فهو مُقيدٌ ومكبوحٌ بخبرة أيضاً. فعبر نظرات خاطفة وابتسامات نصف مكتملة، تنجح دانست في تجسيد شخصيتها بشكلٍ مؤثرٍ، وتتمكن فانينغ من أن تكسو دورها بالتألق والحيوية، وتبقى كيدمان حائمةً على الخط الفاصل بين الود والشر بقدر ما تستطيع. ولذا يبدو "المفتون" عملاً محكم الصنع، رغم كونه فيلماً متواضع المستوى إلى حد ما.

في النهاية، يمكن أن نورد مثاليّن آخرين وأخيرين للذكاء الماكر الذي أسبغته كوبولا على فيلمها "المفتون"؛ ففي بداية الأحداث تعطي إدوينا طالباتها دروساً في الحياكة، بينما تُطَعِّمُ مارثا كل محادثة تشارك فيها بعباراتٍ فرنسية. ربما لا تحسب أن ذلك يمثل أمراً ذا شأن، ولكنه يشكل في الحالتين تحضيراً وتمهيداً لدعابة مروعة، وغاية في الجمال.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: