إعلان

خاص- لتوزيعه "الفوط الصحية" مجانًا.. سائق بجنوب إفريقيا يتحول لبطل شعبي (حوار)

12:09 م الأربعاء 02 أكتوبر 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار- محمد مهدي:

مع شروق الشمس بمدينة "ليمبوبو" في جنوب إفريقيا، يستقل "كاموجيلو مامباتلا" سيارته الأجرة، يتحرك السائق الثلاثيني في الأنحاء، يستقبل العشرات من الركاب يوميًا، أكثرهم من الطلبة، تمضي ساعات العمل في سلام غير أنه لاحظ تغيب الفتيات عن المدرسة لأيام طويلة لعدم قدرتهن على شراء الفوط الصحية أثناء دورتهن الشهرية، إذ تمتنع واحدة من كل 10 فتيات في جنوب إفريقيا عن الذهاب للدراسة خلال تلك الفترة-وفق اليونيسيف- وهو ما دفعه إلى إطلاق مبادرة لمساعدتهن "بدأت مبادرتي من القلب، الذعر الذي رأيته يصيب هذه الفتيات يكسر القلب، هن يحتجن هذه المناشف" يقولها كاموجيلو خلال حواره لمصراوي ساردًا تفاصيل مبادرته.

1

نحو 7 ملايين من الطالبات في جنوب إفريقيا لا يقدرن على تكلفة الفوط الصحية- بحسب باثابيل دلاميني، وزير المرأة بجنوب إفريقيا، فضلًا عن عدم وجود وعي لديهن عن إدارة صحتهن خلال أيام دورتهن الشهرية، حيث تستخدمن قطع قماش أو أوراق الصحف بديلًا عن الفوط الصحية، كان ذلك كان يدور في عقل السائق الثلاثيني، الذي شعر بالحزن من أجلهن فاندفع تجاه إحدى المحال، واشترى كمية من الفوط الصحية، ثم وضعها في مكان يسهل رؤيته بجانب وحدة التحكم في سيارته "قررت توزيعها دون مقابل، أريد إنقاذهن من الشعور بالخزي ومنعهن من الغياب عن المدرسة".

2

في اليوم التالي، انطلق "كاموجيلو" بسيارته، أخبر الركاب بمبادرته، فكر كثيرًا في رد فعل سكان مدينته، هل يدعمونه أم يرفضون الخطوة: "في اليوم الأول وجدت حماسا شديدا لدى الناس تجاه المبادرة، حتى إن العديد منهم حاول المساعدة بأقصى ما لديه" انهالت عليه الإشادات وكلمات الدعم فيما كان يترقب كيفية استقبال الفتيات للأمر: "حاولت أن أجعل الأمر طبيعيا، كل امرأة على هذه الأرض يجب آلا تخجل من الظاهرة الطبيعية، في كل مرة تعاني المرأة من الطمث فرصة لحياة جديدة، وهو أمر يستحق الاحتفاء به" كلماته كسرت حالة الحرج من الفتيات وصرن يحصلن على الفوط الصحية دون خجل.

لا بدائل كثيرة متاحة لدى الأسر الفقيرة في جنوب إفريقيا، أسعار الفوط الصحية ليست في متناول اليد، إذ تتكلف العبوة الواحدة التي تضم 10 قطع نحو 17 راندا- ما يعادل 258 دولارا، يزداد الوضع سوءا مع تراجع العملة المحلية في بلادهن وتسجيل الاقتصاد لأكبر نسبة انكماش منذ 10 أعوام، وسط توقع صندوق النقد الدولي لتباطؤ وتيرة النمو خلال عام 2019.

السائق الثلاثيني حاول توفير الفوط الصحية على نفقته الخاصة لكن مع تزايد الطلب تقلصت أعداد العبوات في سيارته: "للأسف لا أستطيع أن أمد يد المساعدة للجميع، أمتلك القليل ومن يحتاجها كثيرا جدًا، وهذا دائما ما يحزنني".

مع محاولات "كاموجيلو" الدائمة لمساعدة الفتيات في مدينته، انتشرت قصته وسط جيرانه وأصدقائه ثم جميع سكان "ليمبوبو"، ذاع صيت السائق الثلاثيني، تحول إلى بطل شعبي لموقفه النبيل، بدأ في تلقي اتصالات ممن يرغبون في دعم لمبادرته من أجل استمرارها: "استقبلت تبرعات من أشخاص مختلفة، ومحال كبرى في مدينتي منحتني عبوات مجانية" عادت ابتسامته من جديد بعد قدرته على الحصول على مزيد من الفوط الصحية وإتاحتها للفتيات التي يلتقي بهن خلال عمله وسط سعادته بنجاح فكرته: "مجتمعي احتضن المبادرة، واتخذوا طرقا جديدة للتبرع".

4

انتقلت حكاية "كاموجيلو" إلى مواقع التواصل الاجتماعي في بلاده، بات بيته محط اهتمام وسائل الإعلام في جنوب إفريقيا، الصحف تكتب عنه، مقالات وحوارات صحفية تُبرز مبادرته والجهود التي بذلها من أجل توعية الفتيات وإتاحة الفُرصة لذهابهن إلى المدارس بصورة مستمرة "ظهرت في قناتين في بلادي للحديث عن مبادرتي" حين يتلقى الأسئلة عن رحلته التي امتدت لأشهر طويلة يتذكر الأطفال التي تشعر بالحرج حينما تأتيهن دورتهن الشهرية، المناديل البالية التي أعثر عليها في سيارتي، غيابهن لأيام عن التعليم" ومضات سريعة اختفت مؤخرًا على الأقل في جولاته اليومية.

مبادرة السائق الثلاثيني ليست الأولى في جنوب إفريقيا والعالم، هناك أفكار عدة تطفو على السطح من حين إلى آخر من أجل التغلب على تلك الأزمة المؤرقة للنساء في أنحاء العالم، من أبرزها الماكينة التي اخترعها الهندي "أروناتشالام موروغانتام" في 2012 لإنتاج كميات من الفوط الصحية بأسعار زهيدة، فضلًا عن سعي صندوق الأمم المتحدة للسكان في جنوب إفريقيا لتنظيم ندوات للنساء من أجل تثقيفهن عن كيفية التعامل الصحي خلال دورتهن الشهرية، لا يعلم " كاموجيلو" الكثير عن تلك التجارب لكنه سعيد بوجود محاولات في كل مكان من أجل النساء.

5

شهرة "كاموجيلو" في الآونة الآخيرة داخل مدينته دفعته لمزيد من الجهد تجاه مبادرته، صار يذهب بسيارته إلى طرق أكثر في "ليمبوبو" لمساعدة أعداد أكبر من الفتيات، يُفكر في تطوير التجربة والخروج لأماكن جديدة، المساهمة في راحة النساء بمدن أخرى في جنوب إفريقيا حالمًا بقدرته على امتلاك ما يكفي الجميع من الفوط الصحية، وأن تصل النساء إلى المكانة المستحقة "أقصى طموحي هو الحرية لكل سيدة في جنوب إفريقيا وكل إفريقيا" يذكرها بينما تلوح على وجهه ابتسامة كبيرة.

فيديو قد يعجبك: