إعلان

"الناجح يرفع إيده".. أجيال السبعينيات والثمانينيات يحكون عن ذكريات الثانوية العامة

05:10 م السبت 30 يونيو 2018

من أمام مجمع مدارس بمنطقة الهرم

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- دعاء الفولي ورنا الجميعي:

تصوير- فريد قطب

يقولون إن الثانوية العامة هي "البعبع"، عُنق الزجاجة بالنسبة لأجيال من المصريين، تصير البيوت حينها كمعسكرات مُغلقة، يجلس فيها الطلبة على الجمر حتى تقضي عليهم أو ينتهوا منها، وتُصبح النجاة هي الانتهاء من تلك المرحلة السوداء في عُمر الطالب. في السبعينيات والثمانينيات لم تكن الثانوية العامة بكل هذه المرارة، يتذكر أصحابها تلك المرحلة بابتسامة، يغمرهم فضل أساتذتهم وهوان الأيام التي لم تجلدهم بالالتزام بالدروس الخصوصية.

ليلة الامتحان في "السينما"

لم تكن الثانوية العامة "بعبع" أثناء دراسة هشام مصطفى، حيث ارتاد المرحلة الثانوية سنة 1979 "أهالينا مكنوش بيضغطوا علينا"، اختار هشام قسم علمي رياضة مع أصدقاء عُمره كما يقول، الثلاثة أصحاب حتى الآن، يتذكّر مصطفى كيف كانوا يُقسمون أيام المذاكرة في كل بيت واحد منهم "كنا بنطمن الأهل بالشكل ده إننا بنذاكر".

تلك الأريحية التي تعامل بها مصطفى وأصدقاؤه جعلتهم يقضون ليلة الامتحان في قاعة السينما، أثّر فيهم حديث خبير تربوي عن الحالة النفسية ليلة الامتحان، يضحك مصطفى كُلما تذكر تلك الليلة "سمعنا الخبير ده بيقول إن الأفضل للطالب يبعد ليلة الامتحان عن المذاكرة فقررنا نروح السينما"، وفي ليلة الامتحان التي تُعتبر جحيما بالنسبة لكثيرين قضى مصطفى وأصدقاؤه الليلة في مُشاهدة فيلم أجنبي كوميدي "وجبت مجموع 60%، وقتها كان مجموع كويس".

لم يكن المجموع المرتفع مهم كما يقول مصطفى "وقتها كان المهم إني أكون حاصل على الشهادة العليا، إنما الناس دلوقت بتهتم أكتر بمين دكتور ومهندس".

الثانوية العامة "هيبة"

مازال أحمد سلامة صاحب الـثمانية والخمسين عاما، يذكر المرة الأولى التي استقل فيها سيارة أجرة "وقتها كان التاكسي ميركبوش غير الأغنيا"، كان ذلك صبيحة اختبار اللغة العربية في الثانوية العامة، حيث تأخر الشاب عن ميعاده، تملّكه الخوف "ركبت التاكسي ومكانش معايا غير جنيه قولتله يا عمو معلش وصّلني واستناني وهرجع معاك البيت تاخد الفلوس".. لم يكمل الطالب الجملة حتى بكى بُحرقة، ليقول له السائق بعطف "مش هاخد فلوس يابني واجري الحق امتحانك".

الثانوية العامة في ذاكرة الرجل السكندري حيّة. تحضره تفاصيلها التي جرت عام 1981 باللفتة "زي ما تكون امبارح.. أصل دي حاجة متتنسيش"، يتذكر مشاداته مع والده ليحصل على خمس جنيهات شهرية ثمن درس يحصل عليها في مادة الرياضيات "كان مرتبه ساعتها 17 جنيه"، وقتها كانت الدروس الخصوصية "شتيمة" في حق المدرس قبل الطالب.

لم يمتلك سلامة هاتفا أرضيا في منزله "كانت عمتي في الشارع اللي جنبنا عندها تليفون، وكان ابنها ييجي يبلغني بميعاد الدرس"، في سرية تامة تسير الأمور "كنا نتفق مع المدرس يوصل المكان بتاع الدرس، وبعدين نيجي بعديه واحد واحد عشان محدش يعرف"، يضحك الرجل الخمسيني قائلا "كان ساعتها عامل زي تجار المخدرات".

"الثانوية العامة كانت هيبة لأي حد".. لذا ثمة محاذير ضخمة وُضعت فوق كاهل سلامة "زي إني مينفعش أقعد على قهوة أبدا"، يروي أن والده قال له ذات مرّة "متقعدش مع صاحبك فلان عشان شوفته قاعد على قهوة"، لذلك لم يجد الشاب وقتها مكانا ليذاكر فيه دروسه بعيدا عن "دوشة" صوان العزاء، الذي نُصب بجانب بيته، ليلة امتحان اللغة العربية "اضطريت أنزل الشارع أذاكر تحت عمود النور زي الأفلام".

الرسوب ليس مطروحا في زمن سلامة "كان اللي يسقط يبقى عار على الشارع والبيت والأسرة"، في المنطقة، حيث يقطن سلامة، كان هُناك شيخ يُسمى محمود رزق "لما حد بيسقط، كانت الأم تودّي ابنها عنده عشان يقرأ له قرآن ويهديه"، كان الأهل يطوقون الأبناء بالرعاية "يعني مفيش طالب ينتحر عشان خايف من أهله زي دلوقتي"، ورغم ذلك رأى الرجل الخمسيني قسوة في بعض الأحيان من والدته "كانت بتقولي انت مش ابني لو منجحتش ورفعت راسي"، غير أن سلامة التحق بكلية التجارة في النهاية.

ثانوية فاطمة "عام العبور"

"أنا كنت أول بنت في شارعنا تدخل ثانوية عامة ثم جامعة"، تعتبر فاطمة عبد السلام، المدير العام سابقا بمصلحة الضرائب، في عام 1973 حصلت السيدة الستينية على شهادة الثانوية العامة "بعتبره عام العبور لمصر وليا"، لم يكن التحاق الفتيات في عائلتها بالجامعة مطروحا لذا تعتبر نفسها محظوظة "إخواتي الأكبر مني وقفوا لحد إعدادي".

أكثر ما تُحبه فاطمة في تلك الفترة "إن كل مجهود مبذول مننا كان حقيقي، من غير تزيين ولا دروس ولا غش". في الفصل يؤدي المدرس دوره، وفي الكتاب المدرسي تجد الشرح وافيا، لا تتذكر طالبة الشعبة العلمي انتشار الكتب الخارجية وقتها "مفيش غير الأضواء في العربي ولامي في الرياضة ومش أي حد بيجيبهم".

رغم مرور أكثر من 40 عاما، غير أن التوتر المصاحب للامتحانات يعود لفاطمة كأنه حدث أمس "أول يوم في العربي حليت وحش، لدرجة إني روّحت قلت لأخويا إني مش هكمل دراسة السنة دي"، حاول الشقيق تهدئتها "قاللي جرّبي ومش هتخسري حاجة بدل ما السنة تروح"، لم يكن في يدها أكثر من المحاولة "دخلت الكيميا والأحياء وخرجت وأنا معرفش حليت إزاي"، لكن مع تفوقها في امتحان الرياضة اطمئن قلبها، حتى أنها عقب انتهاء الامتحانات حسبت بالتقريب درجاتها في جميع المواد، وخرجت النتيجة قريبة مما توقعت "مش زي دلوقتي والكلام اللي بنسمع عنه في الكنترول".

76% حصلت عليها فاطمة "كان فرح في البيت". يُنسب ذلك الرقم في زمنها للمتفوقين، ظلت عيناها على الالتحاق بكلية الهندسة، امتثالا بشقيقها "المهندس الوحيد في العيلة"، غير أن المجموع لم يسعفها "بس جاب لي علوم عين شمس، فروحت غيرتها ودخلت تجارة".

عبد العزيز "الأول على مدرسته"

لعبد العزيز بدراوي قصة تستحق أن تُروى، ذهب والده حتى يعرف نتيجة ابنه؛ وقف أحد المُدرسين يقول "اللي ميسمعش اسمه يبقى ساقط"، لم يلفظ الأستاذ اسم عبد العزيز "بابا افتكر إني سقطت ومستغرب ازاي وأنا مكنتش ببطل مذاكرة"، غضب الأب واتجه لمدير المدرسه "المدير قاله بالحضن ألف مبروك نجاح ابنك، أبويا قاله ده سقط"، اتضح فيما بعد أن المُدرس أخطأ "وقلب ورقتين مع بعض بالغلط"، فيما صار عبد العزيز الأول على مدرسته بإدارة بلقاس، وواحد من المائة الأوائل على الجمهورية عام 1972.

يتذكر بدراوي أن مرحلة الثانوية العامة وقتها قُسّمت لعلمي وأدبي فقط "مفيش علمي علوم وعلمي رياضة"، كما أن السنة الأولى من الثانوية جاءت في شهر رمضان "كان بعد الفطار فوازير ومسلسل واحد على القناة التانية، وكنت أقوم جري بعد كدا أذاكر".

تفوّق بدراوي جعله يتمّكن من منح مدرس الإنجليزي درس خصوصي له "كنت محتاج تقوية في سؤال القطعة ومواضيع التعبير، بس ملقتش مواعيد عنده"، صمم بدراوي، وبسبب تميزه وافق المدرس، وبدأ يكوّن مجموعة خاصة "وقرر المدرس يدينا درس من واحدة ونص بالليل لاتنين ونص، رغم إنه كانت وقت راحته".

يتذكّر بدراوي اسم مُدرس الإنجليزي "الأستاذ عبدالفتاح"، بحنين خفيّ يعود الأبّ لأيام عزيزة "كان المدرسين محترمين أوي وعايزين يساعدوا، وبيعاملوننا كأننا ولادهم فعلًا"، وقتها كان الأستاذ يُعطي التلميذ عدد من الواجبات الكثيرة "كان بيدينا قطعتين، ويقولي بص جيب كراستين، كراسة أصححها وكراسة تحل فيها عشان نكسب وقت".

تفوّق بدراوي كان علامة لجميع أساتذته، ففي ختام السنة الثالثة من الثانوية العامة أنهى الجدّ امتحان الرياضيات، وأبلغه مدرس التصحيح بغرفة الكنترول حينها: "أنا شفت ورقة الإجابة بتاعتك النهارده، وقعت تحت إيدي، دي كانت بتلف بينا في الكنترول على لجنة التصحيح من كتر تنظيمها"، يقول بدراوي إن التصحيح كان عبر رقم سرّي إلا أن المدرس علم بسبب خط بدراوي الجيّد وترتيبه الشديد "وجبت وقتها الدرجة النهائية".

فيديو قد يعجبك: