إعلان

السياسي الحالم والسياسي الواقعي

د.غادة موسى

السياسي الحالم والسياسي الواقعي

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

08:03 م السبت 06 سبتمبر 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

عادة ما يتم تعريف السياسي بأنه هو الشخص الذي يشارك في العملية السياسية، سواء كان ذلك بصفة رسمية في منصب حكومي أو من خلال المشاركة في الأحزاب السياسية أو ذلك النشاط المدني. ويعمل السياسي على التأثير على القرارات الحكومية وخدمة المصلحة العامة أو تحقيق أهداف معينة لفئة أو مجموعة من الناس. وبناء عليه، يتم التفرقة بين السياسيين المنتخبين مثل الرؤساء، ورؤساء الوزراء، وأعضاء البرلمان، الذين يصلون إلى مناصبهم عبر الانتخابات. والسياسيين المُعينين مثل الوزراء أو السفراء الذين يتم تعيينهم من قبل القيادات السياسية. والنشطاء الذين يعملون خارج الأطر الرسمية للتأثير على السياسات العامة من خلال الحركات الاحتجاجية أو مجموعات الضغط.

وكل ما سبق يُعد من قبيل التعريفات الإجرائية المتعارف عليها والمتداولة والتي لا تعكس حقيقة معنى أن تكون "سياسياً".

وفي هذا السياق انشغل عالم الاجتماع الألماني " ماكس فيبر" بمفهوم السياسي عقب الحرب العالمية الأولى، حيث اهتم بمعضلة " العمل السياسي" في المجتمعات الحديثة في كتابه " السياسة كمهنة". وقد ربط بين السياسي والأخلاق. حيث ميز بين أخلاقيات السياسة التي تستند إلى قناعات وإيمان بعقيدة وبين أخلاقيات السياسة التي تستند إلى المسئولية. وبناء على ما سبق ميز " فيبر" بين السياسي صاحب العقيدة السياسية " الأيديولوجية" وبين السياسي العملي أو البراجماتي. فالسياسي صاحب العقيدة هو المعني بالقضايا والسرديات الكبرى، في حين يكون السياسي البراجماتي أكثر قرباً من البيروقراطية.

وقد ذهب "فيبر" إلى القول بأنه من الصعب أن ينجح السياسي الذي – من وجهة نظره- يفتقر إلى الإيمان بعقيدة سياسية مقابل تفضيل والاعتماد على اللوائح والإجراءات والقوانين فقط. حيث لابد أن يدرك السياسي أن السياسة تدور حول المعتقد الأخلاقي والقناعات الفكرية وتقبل نتائجها. وما سبق لا يعني إهمال السلطة والنظام وإنما أن يتم استخدام السلطة المشروعة في إطار المشروع السياسي الأخلاقي.

وقد ركز "فيبر" على السياسي والقيادة السياسية في تمييزه بين القائد والتابع. فبالنسبة له لم يعد لدى الأفراد اهتمام بالسياسة خاصة عقب العنف والتدمير الذي واكب الحرب العالمية الأولى. لهذه الأسباب انصب اهتمامه على نوعية السياسي ونوعية القيادة السياسية.

إن ما ذهب إليه فيبر في التمييز بين أنواع السياسيين لا يعني أنه يرفض السياسي"الحالم". لأنه بالنسبة له هو السياسي الذي يعمل من منطلق عقيدة سياسية أخلاقية. كما أنه لا يرفض السياسي الواقعي البراجماتي، ولكنه يخشى أن يعمل في فراغ أخلاقي وفكري.

فالذي يربط بين السياسي الحالم والسياسي الواقعي هو المعيار الأخلاقي الذي بدونه لا يستطيع أن يكون السياسي قائداً.

إعلان

إعلان