- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
- أحمد سعيد
- محمد لطفي
- أ.د. عمرو حسن
- مصطفى صلاح
- اللواء - حاتم البيباني
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
منذ أكثر من مئة وخمس عشرة سنة، لم يكن في مصر سوى نادٍ رياضي واحد هو النادي الأهلي، الذي تأسس عام 1907م ليكون بيتًا للشباب الوطني الساعي إلى مقاومة الاحتلال، ومن هنا جاء اسمه "الأهلي". بعد ثلاث سنوات فقط، كان يعمل في مصر رجل بلجيكي يُدعى چورچ مرزباخ، وقد تساءل: وماذا عن الأجانب المقيمين في مصر الذين يرغبون في نادٍ رياضي خاص بهم؟ من هنا وُلدت فكرة تأسيس نادٍ جديد.
ولأن أي نادٍ يحتاج إلى أرض يقام عليها، بدأ مرزباخ جولته بين المساحات المعروضة للبيع، إلى أن وقع نظره على قطعة أرض تقع قبالة النادي الأهلي مباشرة. عندها قال بحسم: "هنا... النادي الجديد يجب أن يكون أمام الأهلي، ليكون في مواجهة أعين المصريين منذ اليوم الأول." وكأنه أراد أن يعلن منذ البداية: "الأهلي للمصريين، والزمالك للأوروبيين والمصريين الراقيين".
فلنقترب إذن أكثر من هذه الحكاية، وندخل إلى تفاصيلها، لنتعرف على شخصية جورج مرزباخ، وكيف قادته الظروف ليؤسس نادي قصر النيل، الذي صار لاحقًا نادي فاروق الأول، ثم استقر اسمه أخيرًا على ما نعرفه جميعًا اليوم: الزمالك.
وُلد چورچ مرزباخ في الخامس والعشرين من سبتمبر عام 1874م بمدينة بروكسل البلجيكية. التحق بمدرسة الحقوق هناك – وهي ما نطلق عليه اليوم كلية الحقوق – قبل أن يتخذ قرارًا غيّر مسار حياته بالكامل؛ إذ قرر القدوم إلى مصر للتدرب على المحاماة لدى محامٍ صديق لوالده يُدعى هنري. أعجب هنري بذكاء مرزباخ واجتهاده، ففتح له الأبواب، وهناك بدأ الشاب البلجيكي يشعر بانجذاب خاص لمصر وأهلها.
لم يمض وقت طويل حتى اتخذ مرزباخ قراره المصيري: لن يغادر مصر بعد اليوم، وستكون هذه الأرض وطنه الجديد. لكنه قبل أن يحسم الأمر نهائيًا، عاد إلى بلجيكا في زيارة قصيرة ليُبلغ أسرته بقراره الجريء، ثم عاد بعدها ليستقر في القاهرة نهائيًا، حيث بدأ مسيرته المهنية في عالم المحاماة.
ومع مرور السنوات، لم يكتف مرزباخ بالنجاح في مجاله القانوني، بل ترك بصمة أكبر حين أسس نادي الزمالك عام 1911م، ليكون علامة فارقة في تاريخ الرياضة المصرية. لم يتوقف طموحه عند ذلك؛ ففي عام 1925م أصبح نقيبًا لمحامي المحاكم المختلطة وظل في منصبه حتى عام 1928م. وخلال هذه الفترة أنشأ صندوق نقابة القاهرة، وهو إنجاز ظل يُذكر له حتى يومنا هذا، خصوصًا بين رجال القانون. وبعدها تدرج في المناصب حتى تولى رئاسة إحدى المحاكم المختلطة في مصر، مثبتًا أنه لم يكن مجرد رجل قانون، بل شخصية تركت أثرًا في أكثر من مجال.
والآن، فلنعد قليلًا إلى الوراء، كأننا نفتح ألبوم صور قديم.. هناك نلمح جورج مرزباخ يتجوّل في شوارع القاهرة، بينما تلوح في ذهنه فكرة جديدة: تأسيس نادٍ يجمع الأجانب المقيمين في مصر. غير أنّ الفكرة وحدها لم تكن كافية، فالمكان يحتاج إلى اسم يليق به ويعكس هويته. وهكذا وُلد اسم قصر النيل، مرتبطًا بالموقع الذي احتضن البدايات الأولى، ليغدو شاهدًا على ميلاد حكاية قدر لها أن تستمر طويلًا.
في أواخر عام 1910م، كانت القاهرة خاضعة للنفوذ الإنجليزي، وكانت النوادي الكبرى، وعلى رأسها نادي الجزيرة، أشبه بقلاع مغلقة لا يدخلها إلا الأوروبيون وأصحاب الثراء الفاحش. أما المصريون، بل وحتى الأجانب من غير علية القوم، فكانوا يُستبعدون تمامًا من تلك الدوائر. عندها شعر جورج مرزباخ أن المشهد غير عادل، وأن الرياضة ينبغي أن تكون جسرًا للتقارب لا أداة للتمييز. فخطرت له فكرة جريئة: تأسيس نادٍ يكون مفتوحًا للجميع، يجمع المصريين والأجانب على حد سواء. هذه الخطوة لم تكن سهلة، إذ اعتبرها الإنجليز تحديًا مباشرًا لنفوذهم و"كسرًا للاحتكار" الرياضي والاجتماعي الذي فرضوه طويلًا على حياة المصريين.
وفي ليلة رأس السنة من عام 1910م، كان جورج مرزباخ مدعوًّا إلى حفلة أقامتها شركة ترام القاهرة في أحد بيوت الضيافة المطلة على النيل، والمعروف باسم "قصر النيل". هناك، وأمام المشهد البهي للنهر، تبلورت في ذهنه الفكرة بشكل أوضح: هذا المكان يمكن أن يكون المهد المناسب لنادٍ رياضي واجتماعي يجمع المصريين والأجانب معًا. وبعد أقل من شهرين، وتحديدًا في فبراير 1911م، تحوّلت الفكرة إلى واقع، حين اتخذ مرزباخ الخطوة الحاسمة وأعلن افتتاح النادي تحت اسم "قصر النيل"، بالقرب من كوبري قصر النيل، لتبدأ من هنا الحكاية الأولى لنادي الزمالك.
وربما يتساءل القارئ العزيز: نادٍ بهذا الحجم، كيف توفرت له الموارد المالية اللازمة منذ البداية؟ الحقيقة أنّ جورج مرزباخ لم يكن وحيدًا في مسعاه؛ فقد كان يتمتع بشبكة واسعة من العلاقات مع دبلوماسيين ورجال من مختلف الجاليات الأوروبية التي عاشت في القاهرة آنذاك: البلجيكيون والإنجليز والإيطاليون واليونانيون والفرنسيون. هؤلاء كانوا يمثلون طبقة عليا تملك المال والنفوذ، وهو ما احتاج إليه مرزباخ ليُقيم ناديه الجديد. لكن الأهم من ذلك أنّ صديقه المقرّب، عالم الآثار البريطاني الشهير هوارد كارتر – الذي سيُكتب له لاحقًا أن يكتشف مقبرة توت عنخ آمون سنة 1922م – كان أحد أبرز الداعمين للنادي في سنواته الأولى، بل شغل منصب نائب رئيسه، ليترك بذلك بصمته في بدايات الحكاية البيضاء.
وفي عام 1913م تبدّل اسم النادي من "قصر النيل" إلى "المختلط"، وانتقل إلى مقره الجديد في شارع 26 يوليو بجوار مبنى وزارة الداخلية القديم. وبعد عام واحد فقط، وتحديدًا في 1914م، شهد النادي ميلاد أول فريق رسمي لكرة القدم يحمل اسمه. في البداية اقتصر الفريق على الأجانب، إذ استُبعد المصريون من التشكيلة الأساسية، غير أنّ جورج مرزباخ سرعان ما ألغى هذه القيود، لتصبح العضوية مفتوحة أمام الجميع. وقد تجلّى أثر هذا القرار عندما ظهر النجم الكبير حسين حجازي سنة 1919م، ليشكّل نقطة تحول فارقة جعلت من النادي مؤسسة مصرية قوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولم يمر وقت طويل حتى توّج الفريق بكأس مصر سنة 1922م، فاتحًا صفحة جديدة في تاريخه الحافل.
وبعد عامين فقط، أي في سنة 1924م، تقدّم جورج مرزباخ باستقالته من رئاسة النادي، لتُحيط بهذه الخطوة علامات استفهام عديدة. وقد انقسمت الآراء في تفسير هذا القرار؛ فهناك من يرى أنّ الاستقالة جاءت لأسباب شخصية، مرتبطة بانشغاله بمسيرته في عالم المحاماة. بينما يذهب آخرون إلى أنّ الدوافع كانت سياسية بالأساس، إذ لم يكن الإنجليز يرغبون في صعود نادٍ ينافس الأهلي أو يزاحمه في الشعبية والنفوذ. وهكذا، بدت استقالة مرزباخ أقرب إلى إقصاء قسري أكثر منها قرارًا طوعيًا.
وبمناسبة تغيير اسم النادي من "قصر النيل" إلى "المختلط"، لا بد أن نروي كيف انضم النجم الكبير حسين حجازي إلى صفوفه، بقرار مباشر من جورج مرزباخ نفسه. فقد حاول الإنجليز في تلك الفترة الاستحواذ على النادي وفرض لائحة تمنع المصريين من اللعب باسم الفريق، غير أنّ مرزباخ وقف في اجتماع مجلس الإدارة ليعلن بحسم: "إذا أردتم ناديًا للأجانب فقط، فاكتبوا على بوابته: هنا ليس لمصر مكان، وأنا أول من سيغادر". وبعد فترة قصيرة، ألغى هذه اللائحة بنفسه، فاتحًا الأبواب أمام مشاركة المصريين.
وهنا برز اسم حسين حجازي، الذي عاد من إنجلترا عام 1919م يحمل حلمًا بأن يلعب في نادٍ يحتضن المصريين. وما إن رآه مرزباخ يركض في الملعب حتى قال كلمته الشهيرة: "هذا هو الفارس الذي سيضع اسم النادي في قلب كل مصري." ومنذ لحظة دخول حجازي، تحوّل النادي إلى قبلة يتسابق إليها المصريون، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخه تزداد فيها شعبيته وتجذّره في وجدان الناس.
أما عن قصة تغيير اسم النادي، فهي حكاية تعكس التداخل العميق بين الرياضة والسياسة في مصر. ففي عام 1944م، وبعد الانتصار الساحق الذي حققه الزمالك على الأهلي بستة أهداف نظيفة، أصدر الملك فاروق قرارًا بتغيير اسم النادي إلى "نادي فاروق الأول"، تكريمًا لهذا الإنجاز الكبير. وبقي الاسم شاهدًا على مرحلة كاملة ارتبط فيها النادي بالملكية ورمزها.
غير أنّ رياح التغيير لم تتأخر، فمع ثورة يوليو 1952م وسقوط النظام الملكي، أسقط الضباط الأحرار كل ما يتصل بعهد فاروق، ليعود النادي ويحمل اسمه الخالد "الزمالك"، الاسم الذي التصق به حتى يومنا هذا، وصار علامة راسخة في ذاكرة الرياضة المصرية.
ومن بين القصص اللافتة في مسيرة جورج مرزباخ، تلك المواجهة غير المتوقعة مع الملك فؤاد نفسه. فبعد خمسة عشر عامًا على تأسيس النادي، استوقف الملك سؤال ظل يتردد في ذهنه: كيف لرجل أجنبي أن يدير ناديًا يضم مصريين وأجانب من طبقات شتى؟ ولم يطل الأمر حتى استدعى مرزباخ إلى قصر عابدين لمقابلته وجهًا لوجه.
جلس الرجلان متقابلين، ونظر الملك في عينيه وسأله مباشرة: ما هدفك من إنشاء هذا النادي؟ لحظتها لم يتردد مرزباخ، وجاء رده خاطفًا للأنظار: "أنا محامٍ، وأؤمن أن العدل لا يفرّق بين الناس، فكيف أقبل أن يفرّق نادٍ رياضي بين أعضائه؟". كانت كلمات صادقة ومباشرة، هزّت أجواء المجلس، وأثّرت في بعض المقربين من الملك، وإن ظل الحذر قائمًا تجاه هذا الرجل البلجيكي الذي أبى أن يخضع للتمييز أو القيود.
وفي الثامن والعشرين من فبراير عام 1928م، أسدل الستار على حياة جورج مرزباخ، الذي رحل في مصر ودُفن في ترابها الذي أحبّه واختاره وطنًا له. غير أن المشهد الأغرب لم يكن موته بقدر ما كان جنازته؛ إذ أظهرت الصور أن غالبية المشيعين كانوا مصريين من لاعبي وأعضاء النادي، رغم أنّه كان أجنبيًا. هنا توقفت الصحافة الأجنبية بدهشة، وكتبت تعليقًا لافتًا: "ودّع المصريون رجلًا أجنبيًا كما لو كان واحدًا منهم."
إن سيرة جورج مرزباخ تكشف لنا أن تأسيس نادي الزمالك لم يكن مجرد خطوة رياضية عابرة، بل كان فعلًا محسوبًا، فيه جرأة وتحدٍّ، وكأنه إعلان مبكر عن منافسة ما زالت أصداؤها حاضرة حتى يومنا هذا.
وهكذا تظل سيرة چورچ مرزباخ تهمس إلينا بأن تأسيس نادي الزمالك لم يكن مجرد فكرة رياضية عابرة، بل مغامرة واعية حملت في طياتها جرأة وتحديًا، وكأنها إعلان مبكر عن منافسة كبرى ظل صداها يتردد عبر السنين… ليبقى الزمالك حاضرًا باسمه وتاريخه وأثره الحي حتى يومنا هذا.