إعلان

الوجوه المستعارة: الدوبلير.. عندما يتحوّل الشبه إلى فن… ثم إلى خطر

د. براءة جاسم

الوجوه المستعارة: الدوبلير.. عندما يتحوّل الشبه إلى فن… ثم إلى خطر

د. براءة جاسم
01:15 م الخميس 28 أغسطس 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

في هذا القسم، سأصطحبك إلى شاشة العرض، حيث لم يكن الدوبلير مجرد تقنية تنفيذية، بل تحوّل في بعض الأعمال إلى جوهر الحكاية نفسها. سنتأمل معًا كيف لعبت السينما والمسرح على وتر فكرة “البديل” كشخصية درامية، ثم ننتقل إلى أولئك الذين قفزوا فعلًا، سقطوا بدلًا من البطل، وكتبوا أسماءهم في الظل.

في البداية، تناولت أعمال عديدة فكرة الشبيه أو “البديل” كعنصر درامي أساسي. في فيلم “إعدام ميت” (1985)، تدور الحبكة حول استبدال أحد الأسرى بشخص يشبهه تمامًا، لتنفيذ خطة أمنية معقدة. أما في مسرحية “الزعيم” لعادل إمام (1993)، فنجد رجلًا بسيطًا يُجبر على تقمص شخصية الحاكم بسبب تشابه الملامح، ليجد نفسه وسط دوامة من السخرية السياسية.

وفي السينما العالمية، تُعدّ أفلام مثل “The Man in the Iron Mask”، الذي يستند إلى أسطورة فرنسية عن وجود شقيق توأم سري للملك لويس الرابع عشر يتم استخدامه سرًا كبديل سياسي، و*“Face/Off”* و*“The Double Life of Veronique”* من أبرز الأعمال التي جعلت فكرة الدوبلير هي المحرك الرئيسي للحبكة. من تبادل الوجوه بجراحة، إلى توأم ملكي مخفي، إلى امرأتين متطابقتين تعيشان مصيرين منفصلين—كلها تطرح فكرة أن وجودك في جسد آخر قد لا يكون خيالًا تمامًا.

لكن بعيدًا عن الشاشات التي جسّدت الفكرة دراميًا، هناك واقع آخر… واقع من يقفز بدلًا عنك.

بدأ الأمر فعليًا مع أول مشهد أكشن حقيقي في السينما الأمريكية عام 1903 في فيلم “The Great Train Robbery”، حين قام دوبلير بالقفز عن حصان متحرك بدلًا من الممثل الرئيسي. تبعه بستر كيتون الذي، رغم اعتماده على نفسه، استعان ببديل في مشهد كاد يودي بحياته.

فيما بعد، قدّم جاكي شان نموذجًا مختلفًا؛ فهو يفاخر بأداء معظم مشاهده بنفسه، لكنه كوّن “فريق جاكي”، مجموعة محترفة من الدوبليرات، ينفذون بعض المشاهد شديدة الخطورة. أما توم كروز، في سلسلة “Mission Impossible”، فيُعرف بإصراره على تأدية لقطات الأكشن بنفسه، رغم أن بعض القفزات المحفوفة بالمخاطر أُوكلت فعليًا إلى دوبلير محترف.

في بعض المشاهد الخطرة التي تستلزم لياقة بدنية عالية، اضطر بعض المخرجين للاستعانة برجال كدوبليرات لممثلات. غادة عبد الرازق صرّحت أن بديلها في أحد الأعمال كان رجلًا، بسبب طولها وصعوبة إيجاد بديلة أنثى بمواصفات مناسبة، إلى جانب خطورة المشهد نفسه. الأمر تكرر مع هنا الزاهد ودنيا سمير غانم، حين استخدم فريق العمل رجالًا في مشاهد خطرة تم تصويرهم من الخلف أو بزوايا حذرة.

في مصر، برز يوسف منصور في التسعينيات كنموذج للممثل الذي يعتمد على نفسه في تنفيذ المشاهد القتالية دون الاستعانة بدوبلير، مستندًا إلى خبرته في الفنون القتالية. لاحقًا، سار أحمد السقا على النهج نفسه، مُصرًا على أداء معظم مشاهده بنفسه، وهو ما عزز من صورته كممثل أكشن يعتمد على قدراته البدنية في تقديم المشهد بشكل واقعي.

لكن خلف هذه اللقطات التي نخطف لها الأنفاس، هناك ثمن بشري حقيقي:

* براندون لي، نجل أسطورة الكونغ فو بروس لي، توفي أثناء تصوير مشهد في فيلم “The Crow” برصاصة حقيقية أُطلقت بالخطأ.

* أوليفيا جاكسون، دوبليرة أنجلينا جولي في “Resident Evil: The Final Chapter”، تعرضت لحادث دراجة نارية أدى إلى بتر ذراعها وتلف دائم في العمود الفقري.

* جوي “SJ” هاريس، أول امرأة أمريكية سوداء تعمل كدوبليرة محترفة، لقيت حتفها أثناء تصوير مشهد بالدراجة في “Deadpool 2”.

* ديفيد هولمز، دوبلير دانيال رادكليف في “Harry Potter”، أصيب بشلل دائم أثناء تنفيذ مشهد طيران.

ومن بين النساء الرائدات في هذا المجال، تبرز يونيس هيوثارت (Eunice Huthart)، التي كانت دوبليرة لأنجلينا جولي في أفلام مثل “Salt” و*“Tomb Raider”*، وواصلت العمل لاحقًا كمنسقة لمشاهد الأكشن.

ومع كل هذه القصص المؤلمة التي شهدناها خلف الكاميرا، لا يمكننا أن نغفل كيف شكّلت هذه الفكرة نفسها—فكرة “البديل”—جزءًا من خيالنا المبكر ووعينا الطفولي.

من منا لم يقرأ بشغف روايات “رجل المستحيل” ويتخيل نفسه مكان أدهم صبري؟ بطل جهاز المخابرات الذي تنكر مرارًا، تقمّص شخصيات، دخل قواعد عسكرية، حضر مؤتمرات دولية، وكل هذا بهويات متبدّلة. سلسلة كانت بالنسبة لكثيرين درسًا مبكرًا في فكرة أن تكون شبيهًا… لا لأجل شهرة، بل لأجل مهمة وطنية.

هؤلاء هم أبطال الظل، من يقفون خلف الانفجار، القفزة، والركلة. لا يُذكرون في التترات، ولا يُصفّق لهم في المهرجانات، لكنهم موجودون في كل مشهد يقطع أنفاسك… دون أن تراه.

في الحلقات القادمة.. سنواصل الإبحار لكشف قصص الوجوه المستعارة.

إعلان

إعلان