إعلان

فن التراجع!

حسام زايد

فن التراجع!

حسام زايد
07:00 م الإثنين 18 أغسطس 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

قيمتنا بما نملكه من اهتماماتٍ وما نُظهرُه من شغف هذا ما تجري عليه الأمور وتقاس به نظرة الآخرين، ولكن يأتي صوتٌ مغاير ليُحدثَ صدىً فريدًا: صوتٌ يدعو إلى "اللامبالاة الذكية". قد تبدو الكلمة غريبة أو حتى مستفزة، لكنها في جوهرها ليست دعوةً للتبلد أو الانعزال، بل هي فنٌ رفيعٌ لإعادة ترتيب أولوياتنا، وتركيز طاقتنا على ما يهم حقًا.

إنها فلسفةٌ تقوم على مبدأٍ بسيطٍ ولكنه عميق: أن المبالغة في الاهتمام بكل شيءٍ تُفقدنا القدرة على الاهتمام بما هو جوهري. إنها دعوةٌ إلى التراجع خطوةً للوراء، ليس هروبًا من الواقع، بل لإعادة النظر في تفاعلاتنا مع الحياة. على عكس ما هو شائع، فإن التراجع عن الاهتمام بالأمور السلبية لا يُضعفنا، بل يُولّد فينا قوةً لا تُقدّر.

وإذا نظرنا بشكل مختلف إلى الألم سوف نكتشف أنه ليس دائمًا عدوًا. بل المعلم الصادق الذي يُجبرنا على النمو. فمثلا الألم في صالة التمرينات يمنحنا صحةً وقوة، والفشل في الأعمال يُكسبنا بصيرةً لا يُمكن أن تُشترى بالنجاح. إن الانفتاح على مصادر قلقنا يجعلنا أكثر ثقةً بالنفس، لأننا نُدرك أن شجاعتنا لا تكمن في غياب الخوف، بل في قدرتنا على مواجهته.

إن المواجهة الصادقة مع الذات هي الطريق لبناء الثقة والاحترام. عندما نتقبل نقاط ضعفنا وندرك أن معاناتنا ليست وصمة عار، بل هي جزءٌ من رحلتنا، فإننا نتحرر من قيود الكمال الموهوم. هذا التقبل ليس سهلاً، إنه صراعٌ يوميٌ يستغرق عمرًا، ولكنه صراع يستحق أن نخوضه.

عندما نُصبح مهووسين بضرورة أن يكون كل شيءٍ على ما يُرام، نُحاصر أنفسنا في سجنٍ من التوقعات غير الواقعية. كل خلافٍ يُصبح ظلمًا، وكل تحدٍّ يُصبح فشلاً، وكل إزعاجٍ يُصبح إهانةً شخصية. نقع فريسةً.. لجحيم الأنا.. الذي يغذي نفسه بالشكوى والرثاء، في حلقةٍ مفرغةٍ لا تؤدي إلى أي مكان.

ما أود الدعوة إليه هو إعادة النظر في اهتماماتنا. اللامبالاة الذكية لا تعني عدم الاكتراث، بل تعني أن تهتم بطريقةٍ تُريحك أنت. إنها فنٌ يتطلب منك أن تُحدد ما يستحق اهتمامك حقًا.

وكل شخص يمكنه أن يختار ويحدد ما يمنحه اهتمامه، سواءً بوعيٍ أو بدون وعي. بحيث تصبح اختياراتك اليومية خطواتٌ نحو حياةٍ أكثر هدوء، وأكثر حرية. لتهتم بالأمور التي تُثريك، وتُنمّيك، وتجعلك إنسانًا أفضل، ودع ما سواها يمرّ بسلام.

إعلان

إعلان