- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
- أحمد سعيد
- محمد لطفي
- أ.د. عمرو حسن
- مصطفى صلاح
- اللواء - حاتم البيباني
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
لم تكن الديانة اليهودية، في أصلها، سوى نداء سماوي للعدل والرحمة، نداء خرج من بين ركام العبودية ليذكّر الإنسان بأن الإيمان لا يُقاس بالدم، بل بالعمل الصالح. غير أن هذا النداء تحوّل، عبر القرون، إلى خطاب ديني مغلق يُبرّر التمييز ويُقدّس الذات، حتى صار الإله عند اليهود مرآةً تعكس مصالح الجماعة، لا ضميرًا أخلاقيًا يُهذب الأهواء. وهكذا خانت اليهودية رسالتها الأولى، حين جعلت من الله شريكًا في مشروع استعلاء ديني وعنصري.
وهنا، يا عزيزي القارئ، يبدأ السؤال الذي لا تحبّ الخطابات الرسمية الاقتراب منه: كيف يتحوّل الدين من ميزان للعدل إلى أداة للهيمنة؟
في الأسفار القديمة، يتبدّى الإله بصورة تُشبه الطاغية القومي، الذي يختار شعبًا واحدًا ويقصي سائر الأمم. ومن هذه الفكرة انبثقت واحدة من أخطر العقائد الدينية في التاريخ: فكرة «شعب الله المختار». ذلك المفهوم الذي نقل الإيمان من رحابة الإنسانية إلى ضيق العِرق، ومن عبادة الخالق إلى عبادة الذات الجماعية. فحين يُصبح الدين عقدًا احتكاريًا بين الإله وجماعة محدودة، تسقط العدالة الإلهية في وحل السياسة، ويُختزل الوحي إلى وثيقة ملكية للأرض والدم.
تأمل معي، يا عزيزي، كيف ينزلق الإيمان هنا من كونه خطابًا أخلاقيًا إلى أداة إقصاء، وكيف يتحوّل النص المقدّس إلى سلاح رمزي في يد القوة.
اليهودية التي بشّر بها موسى عليه السلام كانت طريقًا للتحرر من الطغيان، لكنها في أيدي الحاخامات تحولت إلى وسيلة لفرض طغيان جديد باسم الله. لقد أُعيد تشكيل النصوص الدينية لتخدم الغزو، وحُرّف الوعد ليُبرّر القتل، وصُنعت من الأسطورة شرعية للهيمنة. فالوعد بالأرض لم يكن وعدًا بالاحتلال، والاختيار لم يكن إذنًا بالاستعلاء، غير أن الفكر التلمودي حوّل المفهومين معًا إلى أساس لعقيدة الإبادة المقدسة.
وهنا، يا صديقي، لا نكون أمام خلاف ديني، بل أمام انقلاب أخلاقي كامل على جوهر النبوة.
وفي المشروع الصهيوني الحديث، جرى بعث تلك الأفكار وتغليفها بلغة سياسية معاصرة. فكل رصاصة يطلقها الاحتلال الإسرائيلي تجد لها تبريرًا في نص ديني مؤوّل، وكل جدار يُقام في وجه الفلسطينيين يُرفع فوقه شعار «وعد الرب». لم تعد إسرائيل تقاتل من أجل البقاء، بل من أجل تثبيت نبوءة سياسية مصطنعة. وهكذا تحوّل الدين من منبع للأخلاق إلى معمل لإنتاج الشرعية، ومن رسالة روحية إلى أداة لاحتلال الوعي قبل الأرض.
ولعلك تشعر، يا صديقي، أن الصراع الفلسطيني هنا ليس مجرد نزاع جغرافي، بل مواجهة فكرية وأخلاقية عميقة.
لكن الخيانة الأشد خطورة لم تكن فقط في تحريف النصوص، بل في تشويه صورة الإله ذاته. فقد جرى تقديم الله بوصفه طرفًا سياسيًا يبارك القنابل ويمحو الضحايا من دفتر الرحمة. هذا الإله المصنوع لا يمثّل ربّ العالمين، بل ربّ إسرائيل وحدها. إله لا يرى إلا عبر عدسات القناصة، ولا يسمع إلا صدى المدافع، ولا يكتب التاريخ إلا بحبر الدماء. وهنا يبلغ الانحراف ذروته: حين يُستبدل العدل بالانتقام، والرحمة بالكراهية، والسماء بحدود الجغرافيا.
قف هنا قليلًا، يا صديقي، واسأل نفسك: أي إله هذا الذي يُختزل في دبابة؟
إن ما يحدث اليوم في فلسطين ليس صراعًا على الأرض فحسب، بل مواجهة بين تصورين للإله ذاته: إله يأمر بالعدل ويحب الحياة، وإله مزيف يُبرّر القتل باسم الدين. وبين هذين التصورين يقف الإنسان العربي شاهدًا على خيانة روحية بدأت منذ أن قرر قوم أن يجعلوا من الله جنديًا في معاركهم السياسية.
لقد خانت اليهودية الله يوم خانت معناها، ويوم حوّلت الوحي إلى جدار، والنبوة إلى راية استعلاء. غير أن التاريخ لا يرحم الأكاذيب مهما تلونت، والسماء لا تُغلق أبوابها في وجه المظلومين. فالإله الحقيقي لا يعرف العِرق، ولا يعترف بالاحتلال، بل يظل دائمًا في صفّ المقهورين، كما كان منذ أن قال موسى لفرعون:
«أرسل معنا بني إسرائيل ولا تُعذبهم».
************
كاتب في السرديات الثقافية وقضايا الشرق الأوسط
mohamedsayed@art.asu.edu.eg