إعلان

المنطق العنكبوتي للسلطة!

د. أحمد عبد العال عمر

المنطق العنكبوتي للسلطة!

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 12 فبراير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

السلطة الحاكمة في أي مجتمع مهما اختلف الزمان والمكان، واختلفت وجوه أصحابها وأسماؤهم كيان مؤسسي قوي وغامض ومتشابك العلاقات.

وهو كيان له رجاله المقربون الذين لا يمكن الاستغناء عنهم بسهولة، وله رجاله العابرون الذين يؤدون أدوارًا معينة ويستفيدون ويرحلون، وله كذلك أدوات نفوذه وسيطرته واستراتيجياته وتكتيكاته الخاصة من أجل تحقيق أهدافه.

وهو عالم شبه مغلق له مصالحه وأديباته وطقوسه وقواعده الحاكمة وقوانينه الظاهرة والباطنة، وحساباته الخاصة، وأولوياته، ومعايير تقييمه وحكمه على الرجال، وكذلك معايير وآليات خاصة في الثواب والعقاب.

وفي كتابه "أنور السادات الذي عرفته"، تحدث الكاتب الصحفي الراحل عبد الستار الطويلة عن ما أطلق عليه اسم "المنطق العنكبوتي للسلطة"، وهو المنطق الذي دائمًا ما تستعمله السلطة الحاكمة في تعاملها مع رجالها والمتعاونين معها من أجل تثبيت دعائمها وتحقيق أهدافها.

ويُمكن تلخيص هذا المنطق العنكبوتي على النحو التالي:

إن السلطة لا تقيم وزنًا إلا لمن يكون له فاعلية وقدرة على التأثير حتى تستفيد منه؛ لأن السلطة لها معيار واحد في التعامل مع الناس والجماعات، وهو معيار الاستفادة، وتنفيذ المطلوب، وعدم تجاوز الدور المرسوم.

والسلطة أحيانًا بعد أن تأخذ مرادها من الشخص المطلوب، قد تُلقي دون مقدمات أو اكتراث بمَن أدى دوره أو شطح كثيرًا وتجاوز هذا الدور المرسوم له، بعيدًا عن دائرتها، مثلما يفعل العنكبوت مع ضحاياه بعد أن يمتص الفائدة منهم.

ونجد في كتاب "أنور السادات الذي عرفته" حوارًا دار بين الأستاذ "عبد الستار الطويلة" والكاتب الصحفي الراحل "فوميل لبيب" ممثل مجلة المصور بديوان رئاسة الجمهورية في سنوات حكم الرئيس السادات، يكشف لنا جوانب أخرى عن المنطق العنكبوتي للسلطة، وعن معاييرها في اختيار رجالها وتصعيدهم في مجال خدمتها، كما حاول أن يشرحه الأستاذ عبد الستار الطويلة.

من خلال متابعة الحوار نعرف أن الأستاذ "فوميل لبيب" قد أصابه الحزن والاكتئاب وخيبة الأمل لتعيينه في إحدى الحركات الصحفية مديرًا لتحرير "مجلة المصور" وليس رئيسًا لتحريرها كما كان يتوقع ويأمل.

ولهذا حاول الأستاذ "عبد الستار الطويلة" التخفيف عنه قائلًا له:

"أنا أقرب منك للسلطة، وأقرب للرئيس السادات، ويجب عليك أن تعرف أن السلطة ليس لها أمان دائم، وأنك من الممكن أن تكون صديقًا قويًا لرئيس الجمهورية، ومقربًا للسلطة جداً جداً، ويستغنون عنك ثاني يوم؛ لهذا لا تثق في أحد في علاقتك بالسلطة، ولا تنتظر منها شيئاً، لأنك سوف تذل نفسك.

إن السلطة لها اعتبارات خاصة في التعيينات وفي المراكز، وأنت متعرفهاش، ومش لازم تتوقع أنك لو أديت للسلطة خدمات، فإنها لازم تكافئك على كده، المكافآت والحاجات دي لها اعتبارات أخرى أيضا عندهم".

وأظن أن الأستاذ "عبد الستار الطويلة" كان يتحدث هنا عن تجربة شخصية بعد أن توثقت علاقته بالرئيس الراحل محمد أنور السادات لسنوات، واقترب لفترة من السلطة الحاكمة ودوائرها العليا، قبل أن يغضب عليه الرئيس السادات بعد أحداث يناير ١٩٧٧، ويسحب تصريحه الصحفي لدخول رئاسة الجمهورية، ويُبعده عنه فجأة دون مقدمات.

وقد استوعب الراحل عيد الستار الطويلة هذا الدرس، ولهذا أصبح يدعو كل من يقترب من السلطة ألا ينسى نفسه ودوره وحجمه، وأن يكون واقعيًا وعلى بصيرة تامة بأن منطق عمل السلطة في تقيمها للرجال (عملي نفعي) لا مجال فيه للأوهام الشخصية والتصورات الزائفة عن الذات وحجمها ومكانتها ودورها.

إعلان