إعلان

كأس العالم ومأزق الرياضة المصرية

نبيل عمر

كأس العالم ومأزق الرياضة المصرية

نبيل عمر
06:27 م الأربعاء 21 ديسمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بالطبع نقفز ونهتف ونصفق بحرارة لمنتخب المغرب ونصفق ليس لكونه واحدا من الأربعة الكبار في كأس العالم لكرة القدم، وهو إنجاز غير مسبوق، وإنما للأداء الجماعي الرائع المتسم بروح عالية وإرادة صلبة وتخطيط رفيع، وأجمل ما في كأس العالم الأخيرة أن الفرق العربية الثلاثة المغرب وتونس والسعودية هزمت أبطالا للعالم وأوروبا: الأرجنتين وفرنسا والبرتغال وبلجيكا.. ولم تكن مجرد مصادفات، وإنما أداء وتفوق، وقد نسأل: ولماذا لم يدُم هذا الأداء إلا مع المغرب؟، الإجابة بسيطة: النفس القصير، ومعناها أن التفوق المتواصل حالة مستقرة في البنية المادية والنفسية في فرق البطولة، والتفوق اللحظي حالة تجلٍّ استثنائية، مثل ومضة فائقة القوة لكن سرعان ما تنطفئ.. وهو الفارق أيضا بين دول تتقدم باطراد ودول تتقدم خطوتين ثم تتوقف أو تتراجع خطوة.

وأقبح شيء أن مصر لم تكن حاضرة في هذا المحفل العالمي الصاخب، ومصر تستحق أن يكون "فعلها" الكروي أكبر من تاريخها مع اللعبة، فالفعل عمل جاد لا يتوقف، والتاريخ شواهد قبور على أفعال مضت. صحيح أن دولا كبيرة لم تتأهل للمونديال مثل إيطاليا وهي قوى كروية عظمي، لكن فشلها الحالي مجرد استثناء يصيب المتفوقين أحيانا، أما منتخبنا القومي فالفشل سمة شبه دائمة، فقط له ثلاث حالات استثنائية على مدى 22 بطولة عمرها 92 سنة!

المدهش أننا لم نتوقف ونسأل: لماذا؟، وكيف نحول الفشل إلى تفوق؟

لا أتصور أن المواهب تنقصنا، فمصر منجم مهارات لكن منجمنا مدفون في كهف من الإدارات الرديئة جدا، يفرزها نظام إدارة قد يكون الأسوأ على كوكب الأرض، ناهيك عن مثالب شخصية متأصلة في نفوس كثيرة، أخطرها "الفردية" المفرطة والانحيازات المُهْدِرة لقيم الرياضة وتغليب المصالح الذاتية الضيقة على المصالح العامة ومفاهيمها.

هل هناك أسوأ من نظام يسمح بأن يصل أشخاص مجهولون أو باحثون عن غنائم ومغانم أو ذوي إمكانات متواضعة في الإدارة الرياضية إلى رئاسة إدارة اللعبة في مصر؟

هل هناك أسوأ من نظام يتيح لصغار الأندية الصغيرة الهامشية أن تحدد وتختار من يدير كرة القدم المصرية، باعتبارها صاحبة الأغلبية في الجمعية العمومية لاتحاد الكرة؟، وبالطبع هي كيانات هلامية لا تعنيها بطولات ولا تطوير منظومة اللعبة ملاعب ومدربين وحكاما وإداريين ومسابقات وعلاقات مؤثرة مع الاتحادين الإفريقي والدولي.

بالقطع لسنا ضد الأندية الصغيرة والمجهولة وياليتنا نوسع قاعدة التنافس بقدر ما نستطيع ويكون لدينا 6 ملايين لاعب مسجل مثل ألمانيا من 83 مليون نسمة، أو على الأقل 700 ألف لاعب مثل إسبانيا من 47 مليون نسمة، بدلا من مائة ألف من مائة مليون مواطن!

وهذا لن يحدث إلا بخطة شاملة، تضعها الحكومة مع الاتحاد والإدارات المحلية والمجتمع المدني لتأسيس أندية شعبية في كل محافظات الجمهورية تحمل أسم مدنها ومراكزها.

هذا هو الاستثمار الرياضي المنشود، وحبذا لو اقتحمته شركات ومؤسسات خاصة، بدلا من أن يؤسس بنك أو شركة أو مؤسسة "ناديا رياضيا" ويصطاد لاعبيه من نفس "البحيرة الحالية"، بالتعاقد مع رديف الأندية الكبيرة أو الصغيرة..

وفي الحقيقة لا أفهم أن يؤسس بنك أو شركة كبرى فريقا لكرة القدم في زمننا هذا، فعلنا ذلك قبل 88 عاما أيام الهواية، حين كان العمال مهمشين، وتحاول مصر أن تنهض بهم، وقد بدأها العظيم طلعت حرب باشا في عام 1936، مع تأسيس شركات بنك مصر، ولا أحسب منها نادي السكة الحديد الذي أسسه المهندسون الانجليز في عام 1903، كجزء من إدارتهم للسكك الحديدية، لكننا الآن في زمن احتراف وصناعة، ولا يعقل أن يؤسس بنك عام فريقا باسمه ينفق عليه من أرباح البنك، أو تفعلها شركة قابضة لها أسهم في البورصة ولها مساهمون، خاصة أن الخسائر تطارد أغلب أندية كرة القدم في مصر، بسبب المغالاة في مرتبات اللاعبين والمدربين بدرجة لا تتناسب مع مواهبهم وإمكاناتهم في الملعب، ناهيك عن أنها أندية بلا قاعدة جماهيرية تدفع ثمن تشجيعها في المدرجات، و أيضا هي ذات عوائد محدودة من البث التليفزيوني والرعاية لا تغطي نصف مصروفاتها.

فعلا أمر غريب جدا أن يؤسسوا أندية تخسر!

طبعا..السر في شعبية كرة القدم والأضواء التي تلاحقها، ويعتبرون مصروفات الكرة بمثابة ميزانية دعاية وإعلانات، فاسم النادي الحامل للمؤسسة يذكر مجانا في مبارياته والبرامج الرياضية وفي أي أخبار تتعلق بلاعبيه، قد يكون التبرير صحيحا، لكنه سبب غير كاف، فالإعلانات عن نشاط المؤسسة وأعمالها أجدى عند الرأي العام من فريق كرة.

وإذا كانت هذه المؤسسات تحب مصر حقا وتود أن تلعب دورا مهما في الرياضة المصرية، عليها أن ترعى جديا صناعة أبطال أوليمبيين في بعض الألعاب الفردية التي لنا فيها ميزات نسبية ليصعدوا على منصات التتويج الذهبية، وأقصد رعاية فعالة، بالتعاقد مع مدربين عالميين والاستعانة بأدوات تدريب وتأهيل على أحدث طراز، وسفر هؤلاء اللاعبين إلى الخارج للمعايشة والتدريب في مراكز عالمية.

طبعا هم لا يفكرون هكذا ..لأن صيت الكرة الإعلامي أكبر مئة مرة.

نعود إلى نظام إدارة كرة القدم، وهي يشبه الحمام القديم الذي يجب نسفه من أساسه، وبناء نظام جديد، نظام له قواعد وإجراءات قادرة على تصفية المتسلقين والمجهولين وأصحاب المصالح الخاصة من الوصول إلى مقاعد مجلس إدارة اتحاد الكرة، وإصدار قانون يضبط الانفاق على الكرة بقدر الموارد كما هو الحال في العالم أجمع.

باختصار.. نريد نظاماً يخلصنا من الشللية والتربيطات والتعليمات والتوازنات والخناقات على السفر والبدلات، ويفكر في مصر فقط.

إعلان