إعلان

أحمد زكي.. دون أسماء مستعارة!

الكاتب الصحفي الدكتور ياسر ثابت

أحمد زكي.. دون أسماء مستعارة!

د. ياسر ثابت
07:02 م الإثنين 31 يناير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هذا كتابٌ لا تقل مقدمته أهميةً عن باقي متنه.

الشاهد أن مقدمة الناقد السينمائي أسامة عبد الفتاح لكتابه «أحمد زكي: حكاية رجل مهم»، الذي يقع في نحو 260 صفحة، تضع أسسًا واضحة لمضمون الكتاب دون وعودٍ براقة أو توصيف زائف لبضاعة الكاتب، حيث يوضح بدايةً أن كتابه ليس بحثًا أكاديميًا، ولا يخضع للقواعد المعروفة في هذا المجال، بل هو أقرب إلى أن يكون رؤية نقدية تحليلية حرة للكاتب. بناء على ذلك، يقول المؤلف إنه لم يضع مصادر في نهاية الكتاب؛ إذ إن كل الآراء والتصريحات والتحليلات الواردة فيه، وغيرها، خاصة به، إما بالمؤلف أو بمصادر تحدثت خصيصًا له، أو بتصريحات وردت على لسان أحمد زكي نفسه في فيديوهات مذاعة تم ذكر مصدر كل منها في موضعه.

ينطبق هذا الكلام على الفيلموجرافيا الواردة في الكتاب، التي تم تحرير معظمها بالجهد الذاتي، بما فيها ملخصات الأفلام. ويؤكد أسامة عبدالفتاح أن هذا الكتاب لا يضم تحليلًا لجميع أعمال أحمد زكي (59 فيلمًا روائيًا طويلًا و17 مسلسلًا تليفزيونيًا و6 مسرحيات)، ولا يركز على حياته الشخصية أو الحكايات المرسلة عن هذا الممثل وأعماله، مشيرًا إلى أنه سعى إلى تحليل المسيرة نفسها، والوقوف على أسباب أهميتها وأهمية صاحبها وأسلوب أدائه.

وفي سياق حديث المؤلف عن صعوبة البحث والدراسة في أمة يقول عنها دون مداورة «إنها بلا ذاكرة، لا تحتفظ بشيء ولا تتذكر شيئا ولا توثّق شيئًا، فلا يوجد لدينا أي تسجيل أو توثيق لأعمالنا السينمائية والتليفزيونية والمسرحية والإذاعية، ولا أي تأريخ أو رصد لحياة وأعمال نجومنا ورموزنا الثقافية والفنية، وما يتوفر على شبكة الإنترنت معظمه خاطئ وغير دقيق، وهو ما يعني أن أي معلومة أو بيان أو تاريخ خاص بأي من نجومنا في أي مجال ثقافي أو فني من المستحيل أن تكون دقيقة مائة في المائة، وكل ما في أيدينا أن نبذل أقصى مجهود في البحث كما فعلت هنا، مع إطلاق صرخة مطالبة بأن تتبنى الدولة مشروعًا وطنيًا ضخمًا لتوثيق أعمالنا الفنية وسير حياة جميع فنانينا» (ص 7-8).

ورغم أن أحمد زكي معاصر، واستمر يعمل حتى العقد الأول من الألفية الثالثة، فقد وجد الكاتب أسامة عبدالفتاح صعوبة في العثور على بعض الأفلام التي شارك فيها، كما فشل في العثور على عدد من المسلسلات التليفزيونية والمسرحيات والمسلسلات الإذاعية التي شارك فيها هذا الممثل.

يضيف المؤلف بمرارة:

«ولا تكتفي المصادر التي يمكن أن نلجأ إليها بعدم وجود المعلومة، بل تضللنا أحيانًا بمعلومات غير صحيحة. وعلى سبيل المثال، يذكر عدد من المواقع الإلكترونية ذات الحيثية أن هناك فيلمًا بعنوان «الأشجار تموت واقفة» شارك فيه أحمد زكي عام 1980، عن مسرحية للكاتب الإسباني أليخاندرو كاسونا، سيناريو وحوار مصطفى محرم، إخراج أحمد يحيى، تصوير كل من وحيد فريد وسمير فرج، ويشارك في بطولته كل من مديحة كامل وفاروق الفيشاوي ومحمود المليجي. ورغم كل هذه التفاصيل، التي توحي بأن الفيلم تم إنتاجه وعرضه، توصلتُ إلى أنه ليس له وجود. فقد اتصلت بالسيناريست الكبير مصطفى محرم –قبل رحيله بأسابيع قليلة- ونفى تمامًا أن يكون قد تم تنفيذ هذا الفيلم، مؤكدًا أنه غير موجود، لا في الفيلموجرافيا الخاصة به، ولا في فيلموجرافيا أحمد يحيى التي يعرفها جيدًا لأنه ألّف عنه كتابًا. كما اتصلتُ بمدير التصوير سمير فرج، الذي نفى اشتراكه في فيلم بهذا العنوان، وهذا مجرد مثال واحد على افتقادنا التوثيق والأرشفة، ومعاناتنا من تخبط وتضارب المعلومات» (ص 8-9).

في تقديرنا أن أهم ما في هذا الكتاب أن الناقد السينمائي أسامة عبدالفتاح لم يكتبه بروح المنبهر الذي يمارس التفخيم والتمجيد، بل إنه حافظ على المسافة اللازمة بينه وبين الهالة التي تحيط بأحمد زكي، فجاء النقد موضوعيًا وذكيًا في آنٍ معًا.

والكتاب في مجمله عملٌ رصين واستكشاف غير تقليدي لعالم النجم الكبير أحمد زكي؛ إذ لا يكتفي بالألقاب والأوصاف الفارغة من المعنى مثل «الإمبراطور» و«الباشا»، بل يرصد كيف صعد للقمة بصعوبة شديدة، باذلًا الكثير من العرق والدم والدموع، ويقف على دوره الحقيقي في السينما المصرية، والأسباب الموضوعية لاعتباره مهمًا في تاريخ الفن العربي بشكل عام.

ويقدم المؤلف تحليلًا غير مسبوق لأسلوب أداء أحمد زكي المذهل، لا يقنع بكلام مرسل يردده البعض، سواء للمدح -مثل «غول التمثيل» و«جبار الأداء» - أو للانتقاد والذم، مثل أنه يُقَلِّد، خاصة عندما يجسّد شخصيات عامة، أو يتقمص بشكل مرضي تغلب فيه الفطرة على قواعد الاحتراف والمهنية.

كما يطرح تساؤلات عن كيفية التعامل -في موقع التصوير- مع ممثل متوهج الموهبة والجنون الفني والرغبة في الكمال مثله، وعن علاقة العمل الفريدة التي جمعته بالسندريلا سعاد حسني.

ويمكن لقارئ صفحات الكتاب أن يدرك كم كان تحقيق الذات والنجاح والصعود غاية في الصعوبة بالنسبة لأحمد زكي، في ظل ظروف غير مواتية وأجواء عدائية متنمرة في بعض الأحيان تعرّض لها في مرحلة البدايات. إلا أن هذا الممثل تمكن من كسر نمط «فتى الشاشة الأول» وكذلك نمط الرمز الجنسي، اللذين عهدهما الجمهور وأهل الصناعة أنفسهم منذ نشأة تلك السينما وحتى أواخر سبعينيات القرن العشرين، وتحديدًا مع طلة زكي في الفيلم الأيقوني «إسكندرية.. ليه؟» عام 1979.

يقول المؤلف عن أحمد زكي:

«لم يكسر ظهوره قواعد الشكل الخارجي فقط، ليصبح من المقبول -والمقنع أيضًا- أن يكون فتى الشاشة خشنًا، أسود، ذا شعر مجعد، بل الأهم أنه كسر قواعد رسم وبناء شخصيات «الأبطال» في الأفلام السينمائية، ليصبحوا- على يديه هو ومجايليه من مخرجين ومؤلفين ومنتجين- أقرب إلى «البشر العاديين» في الشارع من المكافحين من أجل حياة أفضل وأكرم، وقاد ومجايلوه التمرد على قواعد الصوابية السياسية، خاصةً في أفلام التيار الذي انطلق في بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، والذي تم التوافق على تسميته «الواقعية الجديدة» (ص 21).

اعتمد المؤلف في تحليله على خبرته كناقد فني له باع طويل في هذا المجال، وعلى العلاقة التي جمعته بالممثل الراحل في العديد من المناسبات، بالإضافة إلى استعانته ببعض المصادر التي عملت معه، وشاهدته عن قرب في مواقع التصوير.

إن كتاب «أحمد زكي: حكاية رجل مهم» (دار الفاروق، 2022) يقترب من هذا الممثل كما لم يقترب منه أحد من قبل، ويلقي الضوء على مغامراته وتجاربه الفنية الجادة، ولا يغفل الأفلام «التجارية» التي شارك فيها، ويركز على أفلام بعينها مثل «زوجة رجل مهم» (إخراج محمد خان، 1988)، ويتحدث عن هذا الممثل في موقع التصوير، والكيمياء الناجحة بينه وبين السندريلا التي دعته إلى أن يدخل ثلاجة الموتى في المشرحة في أحد مشاهد موعد على العشاء (إخراج محمد خان، 1981)، وطريقته في تجسيد الشخصيات العامة، وأسلوب التقمص الفني.. وغير ذلك من تفاصيل بالغة الثراء، جعلت منه إضافة مهمة إلى المكتبة السينمائية باللغة العربية.

إعلان