إعلان

تعويم السفينة العالقة والشعور الوطني

د. أحمد عمر

تعويم السفينة العالقة والشعور الوطني

د. أحمد عبدالعال عمر
07:07 م الإثنين 29 مارس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كشفت حادثة السفينة البنمية الجامحة التي علقت بالمجرى الملاحي لقناة السويس، وعطلت حركة مرور السفن بها لعدة أيام أهمية قناة السويس في حركة التجارة والملاحة الدولية، وجعلت كل مصري وطني يضع يده على قلبه وهو يتابع جهود رجال هيئة قناة السويس والبحرية المصرية في تعويم السفينة وفتح الملاحة بالقناة.

وهي الجهود التي انتهت بالنجاح والحمد لله، فأدخلت الفرحة على قلوب كل المصريين الذين شعروا على مدار الأيام السابقة أن تلك السفينة لم تكن تسد الشريان المائي المصري الحيوي فقط، ولكن تسد -بالمخاطر التي يمكن أن تترتب على الفشل في تعويمها- الشريان المؤدي إلى قلوبهم.

وأظن أن حادث السفينة البنمية العالقة بمجرى القناة، رغم مخاطرها التي أمكن تلافيها، كان لها أثار إيجابية في منتهى الأهمية؛ أبرزها أنها فتحت أعين الداخل والخارج على الأهمية المحورية لقناة السويس في حركة الملاحة والتجارة الدولية، ومعها بالطبع أهمية مصر، ودورها المحوري في المنطقة والعالم.

كما أثبتت عمليات تعويمها صبر وكفاءة رجال هيئة قناة السويس، والبحرية المصرية، وقدرتهم على تنفيذ هذا العمل بالحد الأدنى من المساعدة الخارجية.

غير أن أهم الآثار الإيجابية لعملية تعويم السفينة البنمية، أنها عومت في الوقت ذاته (الشعور الوطني) الراكد عند قطاع عريض من المصريين، وجعلتهم يدركون عظمة هذا الوطن وموقعه، ومكانة ورمزية حضور قناة السويس في تاريخنا المعاصر وفي الوعي الجمعي المصري.

فمع بداية معرفة الحادث وتفاصيله ومخاطره، استيقظ وتحرك الشعور الوطني عند المصريين الأصلاء، وراحوا يتابعون عملية التعويم لحظة بلحظة، وكأنها عملية عبور ثانٍ لقناة السويس، وملحمة وطنية يجب أن نقف جميعًا خلف القائمين عليها.

فكأنهم أدركوا فجأة أن بينهم وبين مجرى قناة السويس علاقة روحية وعضوية خاصة، وأنها جزء من أجسادهم، وليس من أرض وطنهم. وأنهم من نسل الصعايدة والفلاحين الذين حفروا هذا المجرى الملاحي بأيديهم وأجسادهم، ومات الكثير بعضهم في هذا العمل، واستشهد الكثير منهم دفاعًا عن استقلال ومصرية القناة؛ ليصبح خيرها للمصريين، بعد أن كانت القناة بمثابة بقرة حلوب ترعى في أرضنا، وتمتد ضروعها؛ لتحلب في الخارج.

ولهذا أتمنى أن تسعى الدولة ومؤسساتها التعليمية والثقافية في قادم الأيام إلى الاستثمار في يقظة هذا الشعور الوطني تجاه قناة السويس، فتسعى؛ لتوثيق علاقة المصريين والأجيال الجديدة منهم على وجه الخصوص بقناة السويس؛ لتجديد وتكريس حضورها ورمزيتها في الوعي الجمعي المصري.

نحتاج لأن نروي للأجيال الحاضرة والقادمة، قصة حفر القناة، وما التضحيات التي قدمها أجدانا لتنفيذ هذا العمل؟ وكيف تم تأميمها؟ وما دورها المحوري في اقتصادنا الوطني؟ وما المخاطر التي تتعرض لها؟ وكيف تسعى بعض الدول المحيطة بنا للنيل من أهميتها، ودورها ممرًا ملاحيًا دوليًا، واستبدالها بممرات أخرى تمر بأرضيها؟ وما فرصة تطويرها؟ وما فرص الاستثمار في المنطقة الحرة المزمع إنشاؤها على ضفافها، وكيف يمكن أن تغير وجه الحياة في مصر؟

فهل ننجح في الاستثمار في يقظة وتحريك هذا الشعور الوطني تجاه القناة خاصة والوطن عامة، أم نتركه يعود لحالة الحياد والركود من جديد؟

إعلان