إعلان

نضج وجمال الأربعين

د. أحمد عمر

نضج وجمال الأربعين

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 07 فبراير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"آهٍ.. ها هو العمر يمضي. الزمن هذا الحيوان المفترس، أنظر إلى نفسي وأنا على مشارف الأربعين، فأكاد أصعق. تنتابني حالة جنون داخلي. ماذا صنعْتُ خلال تلك السنوات المديدة، هل يمكن أن أكون أنا قبل عشرين عامًا. آه.. العربي يصعقه القهر دون أن يستطيع فعل شيء، لماذا وُلدتُ هنا على هذه الأرض الناقصة، في عصر يكبح رغائب الإنسان الجامحة، كالمهور في فجر فتوتها".

هكذا تكلم الروائي السوري حيدر حيدر على لسان بطل روايته "الزمن الموحش"، معبرًا عن صدمة وحزن العربي المعاصر من سرعة وصوله إلى سن الأربعين، دون أن يحقق شيئًا من أحلامه الخاصة والعامة، ودون أن يصل إلى شاطئ أمان في بحر الحياة العاصف حوله.

وهو قول يحمل الكثير من صدق التعبير عن واقع الإنسان العربي في العقود الأخيرة.

ولكن هذا لا يعني أن سِنَّ الأربعين هو عهد البكاء على أطلال العمر والأحلام، مهما كان السياق الذي تعيش فيه ظالمًا، والجغرافيا التي تسكنها باطلة، فهو سن النضج الذي يُمهد لنقطة بداية جديدة يتم فيها إصلاح الأخطاء واستدراك جوانب القصور في الحياة، بعد الاستفادة من تجارب وخبرات الماضي.

كما أن سن الأربعين يمنح المرأة والرجل حكمة وسمات جمالية خاصة كان من الصعب الحصول عليها قبل ذلك.

فهو عند المرأة سن "البلاغة الأنثوية" في كل تجلياتها. سن استنطاق المسكوت عنه وإخراج المكبوت، واحتراف العطاء، كالأم الحنون، دون انتظار مقابل سوى الامتنان وحفظ الجميل عندما يمر العمر وينطفئ الوهج.

وهو عند الرجل سن الكشف والحكمة، وقديمًا كان هو سن النبوة، حيث يتحقق للإنسان فيه نضج الرؤية والخيارات، ويعرف ما هي أولوياته، وما الذي يُريه ويُسعده فيبحث عنه، وما الذي يُرهقه ويُشقيه فيتجنبه بقدر الإمكان.

ومن تجليَّات جمال وحكمة الأربعين في حياة الإنسان، أن يصبح رد فعلك على تقلبات الحياة، ومساوئ سلوك البشر، ومسار وتطور الأحداث، ومصائر الأحلام هادئًا دون حزن مفرط أو انكسار.

أن تنمو لديك موهبة قبول مفارقات وتناقضات الحياة والقدر والبشر. وأن تقرأ الناس والأحداث في ضوء فكرة النموذج المركب متعدد الأبعاد، ومن زوايا مختلفة تجعلك أكثر إنصافًا وعدالة في حكمك.

ومن جمال حكمة الأربعين، اكتشاف أنَّ كونك عابرًا في حياة الآخرين أو كون الآخرين عابرين في حياتك، ليس مدعاةً للصدمة والحزن، ففي النهاية كلنا عابرون بهذه الحياة التي لا ثبات ولا ديمومة فيها، مع تعلم عدم ابتذال النهايات.

وفي النهاية، فإن أبرز جوانب جمال وحكمة الأربعين إدراك أننا أسرفنا على أنفسنا كثيرًا، وأرهقنا أعصابنا، وحملتنا الحياة حينًا، وحمَّلْنا أنفُسَنا أحيانًا أكثر مما نحتمل، وقد آن الأوان لأنْ نعيش ونستمتع بالحياة في ضوْء الإمكانات المتاحة، وأن نسعى للحفاظ على رأسمالِنا الوحيد في الحياة، وهو الصحة الجسدية وصفاء الروح والذهن، فكل ما عداهما باطلٌ وقَبْض الرّيح.

إعلان