إعلان

صراع في واشنطن.. هل يتغير شكل الإنترنت كما نعرفه؟ "الحلقة الرابعة"

خالد عز العرب

صراع في واشنطن.. هل يتغير شكل الإنترنت كما نعرفه؟ "الحلقة الرابعة"

خالد عز العرب

أستاذ مساعد ممارس بقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأميركية

02:57 م السبت 06 فبراير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مواقع التواصل: ملكية خاصة أم عامة؟

وسائل الإعلام الخاصة في الولايات المتحدة ليست مطالبة قانونا بأن ‏تتحلى بـ"الحياد"، بل لكل منها الحق في اتخاذ ما يراه من مواقف ‏سياسية، وأن ينشر أو لا ينشر ما يراه وفقا لسياسته التحريرية.‏

والقوانين الأمريكية تشترط فقط على المرافق المملوكة ملكية عامة أن ‏تضمن حرية التعبير للأطراف المختلفة، أما الشركات الخاصة، فلا ‏تقع على عاتقها مثل هذه المسؤولية.‏

وبالتالي فإن غياب "المادة 230" لم يكن ليمنع "تويتر" من أن يرفض ‏نشر تغريدات ترامب، تماما كما يحق لجريدة النيويورك تايمز على ‏سبيل المثال أن ترفض نشر مقال يرسله لها الرجل‎.‎

ولكن هل تويتر فعلا مرفق خاص؟

قانونا هو بالطبع كذلك- حتى الآن على الأقل- ولكنّ هناك شعورا ‏متزايدا عند كثيرين بأن شركات الإنترنت العملاقة بلغت من التوسع ‏واحتكار دور مصدر المعلومات حدا يستوجب التعامل معها باعتبارها ‏أشبه بالمرفق العام.‏

وبهذا المنطق لا يمكن مقارنة قرار "تويتر" حجب ترامب بامتناع ‏صحيفة خاصة عن نشر مقال له، وإنما هو أشبه بقيام الشرطة بمنع ‏شخص من الحديث في ميدان عام. والأدهى أن هذا الشخص يحتل ‏أعلى منصب منتخب في البلاد، وأن الشرطة التي منعته تأتمر بأمر ‏رجل أعمال فرد!‏

ورغم أن كثيرا من معارضي ترامب رحبوا بالإجراءات التي اتخذها ‏عمالقة الإنترنت أخيرا لتحجيم صوته، فإن هناك كذلك أصواتا عدة من ‏الليبراليين واليسار تعرب عن القلق من هذه الإجراءات، وتحديدا ‏بسبب ما تعنيه من تفرد شركات خاصة بالتحكم فيما بات ساحة عامة.‏

وقد أصدر اتحاد الحريات المدنية الأمريكي- وهو من أهم المنظمات ‏الحقوقية في الولايات المتحدة ومعارض شرس لسياسات ترامب- بيانا ‏جاء فيه: ‏

‏"إننا نتفهم الرغبة في منع ترامب بشكل دائم الآن، ولكن علينا جميعا ‏أن نقلق عندما تمارس شركات مثل فيسبوك وتويتر سلطة بلا رقيب ‏لمنع أشخاص من منصات صار لا غنى عنها لمليارات البشر".‏

هذا النفوذ والاحتكار هو ما تسعى لمجابهته تحركات أخرى قضائية ‏وتشريعية تجري بالتوازي مع الجدل حول "المادة 230"، وهي ‏تحركات لا تتعلق فقط بما تقدمه مواقع التواصل من محتوى، وإنما ‏كذلك بما يمثله نشاط هذه الشركات ونمط ملكيتها من تهديد لخصوصية ‏الأفراد من ناحية ولقدرة الشركات الناشئة على المنافسة من ناحية ‏أخرى (وهما ملفان آخران شديدا الأهمية لكنهما يخرجان عن نطاق ‏المقال الحالي المعني بما تبثه المواقع من محتوى).‏

وتشهد المحاكم الأمريكية مجموعة من القضايا الكبرى المرفوعة من ‏السلطات الفيدرالية وحكومات الولايات ضد فيسبوك وأمازون وأبل ‏وجوجل بتهم تتعلق بالاحتكار ومنع المنافسة، كما أصدر الكونجرس ‏في أكتوبر الماضي تقريرا مطولا بعد 16 شهرا من التحقيقات أدان ‏فيه تلك الشركات بارتكاب ممارسات احتكارية، وممهدا الطريق ‏لتشريعات قد تؤدي لإعادة هيكلتها.‏

‏• • •‏

تتردد منذ سنوات الدعوات لإعادة النظر في القوانين التي تحكم عمالقة ‏الانترنت، وقد تعثرت هذه الدعوات مرارا بسبب عدم قدرة أصحابها ‏على الاتفاق على بديل، كما أنه لا يمكن تجاهل الدور الذي يلعبه ‏اللوبي المدعوم من قبل تلك الشركات في إفشال أو إضعاف التحركات ‏التي تمثل خطرا على مصالحها، إلا أن الزخم الذي تحظى به دعوات ‏التغيير الآن يبدو أكبر من أي وقت مضى.‏

‏ وقد صار من المربح سياسيا وجماهيريا تبني مواقف متشددة إزاء تلك ‏الشركات بعد أن أصبح نفوذها يمثل مصدر إزعاج للطبقة السياسية ‏الأمريكية بأكملها. ‏

وبطبيعة الحال فإن أي تفكيك لتلك الشركات أو تغيير في هيكلها ‏والقوانين المنظمة لها لن يقف عند حدود الولايات المتحدة.‏

الحلقات السابقة..

خالد عز العرب يكتب: صراع في واشنطن.. هل يتغير شكل الإنترنت كما نعرفه؟

صراع في واشنطن.. هل يتغير شكل الإنترنت كما نعرفه؟ "2" تفويض بالرقابة الذاتية

صراع في واشنطن.. هل يتغير شكل الإنترنت كما نعرفه؟ "3" ‏نهاية التفويض

إعلان