إعلان

الإعلام ٢٠٢١.. نافذة صغيرة في جدار العزلة

محمد حلمي- صحفي مصري

الإعلام ٢٠٢١.. نافذة صغيرة في جدار العزلة

محمد حلمي
05:55 م الجمعة 19 فبراير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أصبح من نافلة القول الحديث عن تأثير "كورونا" على الحياة العامة، ولكن ما هو مهم بمكان، إلقاء الضوء على بعض التغيرات الدائمة التي تسببت فيها هذه الجائحة على العمل الصحفي.

يقسم معهد أكسفورد رويترز لأبحاث الإعلام، التغيرات في العمل الصحفي إلى ثلاثة مجالات مهمة وهي: التغير في ممارسة العمل الصحفي نفسه، والتغير في صيغ تقديم العمل الصحفي، والتغير في نماذج الأعمال التجارية للمؤسسات الصحفية.

"أبرز القصص الإخبارية العام الماضي أنتجت باستخدام أدوات عبر الإنترنت"

التغير في ممارسة العمل الصحفي نفسه

كان التحول الأكثر وضوحًا هو الاضطرار للعمل عن بعد، باستخدام أدوات الاتصال عبر الإنترنت. أكبر قصص العام الماضي، مثل مقتل جورج فلويد الذي أشعل الولايات المتحدة، والانتخابات الأمريكية ونتائجها، أنتجت باستخدام أدوات عبر الإنترنت.

التحدي الرئيسي للعام الحالي هو كيفية الانتقال من وضع الأزمة، إلى نموذج مستدام هجين بين الحضور الجسدي والعمل عن بعد -Sustainable Hybrid in-person/remote model.

"أعادت "كورونا" الإعلام للتركيز على الشرح والتخصص"

التغير في صيغ تقديم العمل الصحفي.. مزيد من الشرح والتخصص

ذهب الإعلام خلال العام الماضي؛ لإعادة التركيز على الشرح والتخصص، بعد أن أصبحت المؤسسات التي استثمرت في الصحافة المتخصصة والعلمية في مركز متقدم بسبب الجائحة.

الصحفيون المتخصصون في الصحة، والخبراء الطبيون، مثل الطبيب "سانجاي غوبتا" على شبكة "CNN" -الذي اشتهر لدينا باستفهامه عن كيفية عدم انتشار الفيروس في مصر رغم عدم التزام المواطنين بالإجراءات الاحترازية وارتداء الكمامات-، أصبحوا أسماء لامعة، ويوزعون معرفتهم عبر وسائل الإعلام، ويسهمون في تصحيح المعلومات الخاطئة، ما عزز من مكانة الإعلام لدى الجمهور خلال العام الماضي، بعد انتشار معلومات مضللة كثيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ساهمت الجائحة أيضًا، في تركيز وسائل الإعلام على الجرافيكس والسرد المرئي للقصص. ولعل قصة محاكاة "فيروس كورونا" في صحيفة "واشنطن بوست" أبرز مثال على ذلك. القصة أصبحت أكثر القصص الإخبارية مشاهدة في العالم خلال العام الماضي، وأكثر القصص مشاهدة في تاريخ الصحيفة.

ومع التوسع في استخدام الجرافيكس، وتقنيات الواقع المعزز، تركز وسائل الإعلام العالمية خلال العام الحالي، على تطوير السرد المرئي للقصص، باستخدام صحافة البيانات؛ لتقديم شرح مفهوم ودقيق للمواضيع الإخبارية المعقدة.

"البث الإعلامي ثاني أسرع القطاعات نموًا في العالم بعد خدمات بث الفيديو"

التغير في نماذج الأعمال التجارية للمؤسسات الإعلامية

تسريع التحول إلى المحتوى المدفوع

أعطى "كورونا" دفعة كبيرة تجاه التحول الصحفي المدفوع. وتشير الدراسات، أن البث الإعلامي كان ثاني أسرع القطاعات نموًا، بعد خدمات بث الفيديو مثل Netflix، بسبب "كورونا".

السؤال الملح الآن لدى وسائل الإعلام، هو كيفية حفاظ كل هؤلاء المشتركين الجدد الذين انضموا إلى خدماتهم خلال ما يعرف بـ"نفخة كورونا"-Covid Bump""؟

عروض الأسعار المخفضة والتسعير التفاضلي Cut-price offers and differential pricing هما وسيلتان محتملتان للحفاظ على المشتركين الجدد.

مؤسسات إعلامية مثل Wall Street Journal لديها بالفعل "صفقات حفظ" لأولئك الذين فقدوا وظائفهم بسبب "كورونا"، مع توقعات بمزيد من صفقات الاشتراك الرخيصة للطلاب، وأولئك الذين ينتمون إلى خلفيات محرومة، كوسيلة للحفاظ على المشتركين ومواجهة الانتقادات بشأن عدم المساواة في الحصول على المعلومات.

"وسائل الإعلام ستظهر العام الحالي بشكل أقرب لتجار التجزئة "

تنويع الإيرادات.. التجارة الإلكترونية والأحداث الحية

عززت "صدمة كورونا" وجهة نظر مفادها أن صناعة الأخبار بحاجة إلى كسر الاعتماد على الإعلانات.

ويُلقي باللوم على الإعلانات، من بين أمور أخرى، في تقليل جودة المحتوى، وخلق تجربة سيئة للجمهور.

وتشير الاستطلاعات أن استدامة العمل الإعلامي في المستقبل يتطلب تنوعًا في مصادر الدخل، يركز بشكل أكبر على الاشتراكات، ويقلل الاعتماد على الإعلانات.

أبرز النماذج الآن على تنوع مصادر الإيرادات هو موقع الإندبندنت البريطاني، الذي تخلى عن نسخته المطبوعة منذ أكثر من أربع سنوات، ويعتمد الآن في إيراداته على الإعلانات الرقمية، والتجارة الإلكترونية، وإيرادات الشركات التابعة لها، والاشتراكات، والتبرعات. كما أضافت الإندبندنت لقائمة إصداراتها اللغة الإسبانية؛ لتكون اللغة الخامسة، بهدف فتح أسواق جديدة، تحقق نموًا سريعًا في الإيرادات.

من المتوقع أن يتضاعف الإنفاق على التجارة الإلكترونية خلال السنوات الأربع المقبلة؛ ليصل إلى 7 تريليونات دولار. ومع هذا الارتفاع الحاد في التسوق عبر الإنترنت بسبب "كورونا"، تفكر مؤسسات إعلامية في كيفية الحصول على جزء من كعكة النمو في التجارة الإلكترونية، ما سيجعلها تظهر بشكل أقرب لتجار التجزئة هذا العام.

ظهرت مواقع مراجعة المنتجات Review Portals التابعة لبعض وسائل الإعلام. وتهدف لنشر محتوى يخلق النية الصحيحة للشراء لدى الجمهور. مواقع مثل Wirecutter لـ"نيويورك تايمز"، و IndyBest لـ"الإندبندنت"، والمطبوعة خاصة بمنتجات الطهي لـBuzzFeed، قدمت مساهمات كبيرة في الإيرادات النهائية للمعلن والمؤسسات الإعلامية. (في مصر، الأمر لا يزال محصورًا على قنوات الطبخ التي تعتمد بشكل كامل على الإعلانات، وبعض الفقرات في البرامج الحوارية التي تستعرض أطعمة المحلات الشعبية الشهيرة، دون وجود نماذج أعمال حقيقية تحقق أرباحًا أكبر للطرفين).

البحث عن "تجربة ذات قيمة" يفوق الرغبة في شراء منتجات مادية

الأحداث الحية والمجتمع

خلال الوباء، استمع الملايين إلى الحفلات الموسيقية الحية وعروض الأزياء والمحادثات الملهمة عبر الإنترنت. وتشير الأبحاث، أن البحث عن "تجربة ذات قيمة" يفوق الرغبة في شراء منتجات مادية.

في غضون ذلك، وجدت المؤسسات الإعلامية أن بإمكانها عرض الأحداث افتراضيًا

بسرعة أكبر، وتكلفة أقل، وحجم جمهور أكبر من الحدث المقام في مكان

ويبرهن على ذلك، دفع أكثر من ٢٧ ألف شخص، مقابلا ماليا لمشاهدة لقاء مجلةThe Economist المباشر مع مؤسس شركة مايكروسوفت بيل جيتس، وإرسال أسئلة له قبل اللقاء.

وتراهن مؤسسات إعلامية خلال العام الحالي، على إقامة أحداث افتراضية مدفوعة تعطي "تجربة ذات قيمة" (حفلات موسيقية- لقاءات مع شخصيات عامة) سيكون الطريقة المثلى لبدء علاقة مستدامة مع الجمهور.

نتوقع مزيدًا من الاحتراف حول إنتاج هكذا أحداث وتقديمها عبر الإنترنت، ويظل التحدي الأكبر خلال العام الحالي، هو الرغبة في مزيد من الاتصال الجسدي بين البشر، وليس العكس، ولكن كما هو الحال في العديد من المجالات الأخرى، من المحتمل بشدة أن يصبح المستقبل هجينًا.. بين الواقع والافتراض.

محمد حلمي

صحفي مصري

mohamedhelmymohsen@gmail.com

إعلان