إعلان

عندما تنفرد منصات التواصل بـ "الحصري" وتترك المباشر للجميع؟!

د.هشام عطية عبدالمقصود

عندما تنفرد منصات التواصل بـ "الحصري" وتترك المباشر للجميع؟!

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 22 يناير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حدثان متعاقبان شهدتهما الساحة الأمريكية مؤخرًا، وحيث يمكن أن نستدل منهما على حالة التباين الكبيرة والتي تتعاظم دوما بشأن التأثير وقدرة الوصول إلى الجمهور بين كل من وسائل الإعلام التقليدية ممثلة في القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية ومواقع الصحف الرقمية جميعها في جانب وبين منصات التواصل الاجتماعي وحدها في جانب آخر، تعبيرًا عن المدى المتسع لتزامن نمو الأخيرة مع اتساع قاعدة نفوذ الهواتف الذكية في حياة البشر، وهو طريق صار ينمو باضطراد كبير.

سنعرف الكثير عن قوة حضور منصات التواصل ونفوذها الذي صار محركًا ودافعًا وصانعًا للتحولات في المجتمعات التي أطلقته واخترعته بل وأدارته، حين نرى أنها حين أرادت وقف تدفقاته لم تعرف سوى بأن تعود إلى وسائل المنع "التاريخية" بالحجب والغلق لحسابات شخصية دون أذونات قضائية، وهي أدوات طالما اعتبرها مجتمع وثيقة الحقوق الأمريكية ذات البنود العشر بضاعة قديمة لا تليق به، لكنه لم يتركها رغم ذلك تذهب مع الريح.

أما فيما يخص المشهدين الدالين على تحولات بنية دور الاتصال المعاصر ومنصاته ومدى تفاعل الجمهور معه، فسنبدأ بالمشهد الأخير، حيث حفل تنصيب الرئيس الامريكي الجديد "جو بايدن"، المشهد المنقول عبر مختلف الشاشات والقنوات في مختلف أرجاء العالم والذي يكاد يكون متطابقا، حيث تصطف كاميرات القنوات في ركن محدد لها جميعها لتطل معا –في ذات التوقيت- على ذات ما يظهر لها، فتنقل تطابقا دون انفراد أو تنوع، وهكذا صار الأمر فيما يخص تغطية مختلف الأحداث الكبيرة منها والصغيرة، فما إن يتم إبلاغ وسائل الإعلام بها حتى تهرع –جميعها في الوقت ذاته– إلى مكان الحدث لتلتقي بنفس الوجوه وتصور نفس المشاهد وتنقل عن ذات المصادر صانعة الحدث والمتحدثة بشأنه نفس العبارات.

المشهد الثاني يخص منصات التواصل الاجتماعي، وحيث دورها انبثق من اللحظة ذاتها التي دعا فيها الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب أنصاره –فجأة ودون ترتيب معلن تعلمه الميديا على الاقل– إلى التوجه نحو مبنى الكابيتول دعما لمناصريه داخله، هنا في لحظة أن انطلق مؤيدوه وتحركوا صوروا ثم "شيروا" ما لم تنقله الوسائل الإعلامية التقليدية مجتمعة، ثم وثقوا قولا وتصاويرا اقتحام المبنى والعبث به والتقطوا صورا ومشاهد صارت "أيقونية" نقلتها عنهم الوسائل الإعلامية وتابعتها بعدهم مقلدة، وحيث كانت أول مشاهد وجمل وتعبيرات والبث الفوري والحصري معا هو لصالح منصات التواصل الاجتماعي عبر هواتف وحسابات هؤلاء المقتحمين والمناصرين أنفسهم، وهي التي نوهت للجمهور العام ووسائل الإعلام المختلفة عما يجري بالداخل.

في المشهد الأخير يمكن أن نمنح اللقب الفخيم القديم الذي كان يزين أعلى ركن الشاشات التليفزيونية والمسمى "حصريا" ومعه كلمة مباشر ليكون خاصًا بمنصات التواصل فقط، وحيث صارت وسائل الإعلام التقليدية جميعها معًا تصطف متقاسمة اللقب القديم "مباشر".

علينا أن نلاحظ أيضًا سرعة التحرك والانتقال لمن غطى الحدث على منصات التواصل الحدث بكاميرات الموبايل، في مقابل تلك الوسائل الإعلامية التي احتاجت فريقًا يحمل وينقل معداتها الثقيلة حيث مكان الأحداث، وبالطبع ناهيك عن إمكانية السماح لها بالدخول من عدمه من قبل حشد وجمهور المؤيدين الذي أعلن معاداته لها.

هذا التحول يحمل معه إشكاليات مهنية وقانونية وأخلاقية معًا، سيتحدث عنها الجميع بتمهل بينما قطار منصات التواصل يسابق سرعة الصوت نموًا، صانعا تحولات في سيكولوجية وسلوك الجمهور العام تحدث تغييرها عالميًا في كل مكان.

يشبه ذلك في بعض أوجهه تطورًا ملفتًا حدث في تاريخ التقييم التاريخي لدور وقدرة الأفكار المبدعة على تغيير مسارات الحياة بل وإعادة صياغة شكل الاقتصاد في الكون وأفق الاستثمار فيه، يمكن أن تعرف ذلك إذا كنت قد قررت يوما ما أن تشتري أثاثا مكتبيا مثلا، سيكون المصنع أو البائع سعيدًا تمامًا وهو مدرك أنه أنفق عليه رقمًا إجماليًا يتضمن خامات وعمالة وبنود أخرى استهلاكية متنوعة، ثم وصل ربحه إلى مائة في المائة، ثم كم ستبلغ سعادته بجودة منتجه وتفرده لو جلب إقبالا بحيث صار ربحه مائتين في المائة أو ثلاثمائة، في المقابل ربما تحتاج برنامجًا إداريًا أو محاسبيًا ما، ستجد أنك تدفع مبلغًا ضخمًا بينما تخرج حاملا ثلاث إسطواناتdvd ، هي وفقط كل ما تمضي به مقابل مئات بل ربما آلاف أضعاف أرباح الأثاث المكتبي السابقة، حيث الفكرة هي الأثر والقيمة المضافة الأهم في العالم الجديد.

في مجال منصات التواصل الاجتماعي يحدث ذلك، ويعبر عن نفسه في إسراع مجتمعات مختلفة في الدخول والاستثمار -الذي هو دوما محدود الإنفاق تمامًا قياسًا بوسائل الإعلام التقليدية- في مجال منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها على الهواتف الذكية، ولتكون بعض مصادر الحضور والنفوذ وقوة الدور العصري لهذه المجتمعات.

إعلان