إعلان

علامة استفهام كبرى!

سليمان جودة

علامة استفهام كبرى!

07:00 م الأحد 16 أغسطس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ما كاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلن نجاح بلاده في التوصل إلى لقاح يواجه به العالم ڤيروس كورونا، حتى وجد التشكيك الأمريكي جاهزاً في انتظاره!

والحقيقة أن التشكيك الأمريكي طبيعي ومتوقع؛ بحكم المنافسة القائمة بين البلدين من أيام الاتحاد السوفييتي، الذي ورثت روسيا بعضاً من تأثيره وتواجده في العالم، ثم ما لبث بوتين حتى بدأ في طريق استرجاع الهيبة التي كان الاتحاد يتميز بها أمام الولايات المتحدة، وبمعنى أدق، فإن الرئيس الروسي بدأ في استرجاع جانب من تلك الهيبة التي كان هو شاهداً على ضياعها، وقتما كان ضابطاً صغيراً.

والحقيقة أيضاً أن وزير الصحة الروسي ميخائيل موراشكو كان على صواب، حين قال إن مواقف الغرب- وفي المقدمة منه الولايات المتحدة من اللقاح الجديد - ليست حيادية، وإنها محكومة بعوامل التنافس والشعور بالخيبة بسبب تفوق روسيا!

الرجل على حق فيما يقوله؛ لأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سوف يحز في نفسها كثيراً أن تتخلف واشنطن عن موسكو في الوصول إلى اللقاح الجديد؛ إذا ما نجح فعلاً، ونزل الأسواق؛ فلقد كان ترامب يأمل في أن يخرج اللقاح الجديد على يديه هو في أمريكا، لعل ذلك يساعده في كسب معركته الصعبة في انتخابات نوفمبر المقبل!

كان هذا هو أمل الرئيس الأمريكي، وكان يستحث الشركات والمعامل المختصة في بلاده، لأنه يعرف تماماً أن ذهابه إلى الانتخابات وفي يده مثل هذا اللقاح سوف يسانده بقوة وسوف يخفف من تأثير دعايات الديمقراطيين المنافسين له على الكرسي!

ولكن بوتين سبق باللقاح كما سبق الاتحاد السوفيتي أمريكا من قبل في تسيير الرحلات إلى الفضاء. صحيح أن الاتحاد سرعان ما اختفى، وصحيح أن روسيا لا تزال هي وريثته في التنافس مع الأمريكان، ولكن هذا كله لا ينفي أن الإعلان عن اللقاح قد استولى على اهتمام العالم الذي ضج كثيراً من شبح كئيب اسمه كورونا لا يريد أن يفارقه!

كل هذا مفهوم في حدوده، ولكن غير المفهوم بالفعل هو موقف منظمة الصحة العالمية، التي استقبلت نبأ الوصول إلى لقاح في روسيا بالكثير من التحفظ، وبالكثير من عدم المبالاة، والكثير من التقليل من شأن ما قالت موسكو بأنها توصلت إليه!

حدث هذا منذ اللحظة الأولى، رغم أن التوصل إلى اللقاح كان عن طريق معهد علمي متخصص في العاصمة الروسية، ورغم إعلان الروس عن أن اللقاح مر بالتجارب المعملية المطلوبة بما في ذلك التجارب السريرية، ورغم أن بوتين لم يشأ أن يكتفي بذلك، ولكنه ذهب إلى مدى بعيد، فأعطى إحدى بناته جرعة من اللقاح الجديد، لتكون هي أولى من يجري تجريب اللقاح عليه من البشر!

ولكن استقبال منظمة الصحة العالمية للموضوع كان شديد التحفظ كعادتها منذ بدأ كورونا في الظهور، مطلع هذه السنة!

فليست هذه المرة هي الأولى التي يكون هذا هو موقفها من شيء يعطي الأمل للبشرية في التخلص من هذا الضيف الثقيل الذي لا يريد أن يغادرنا. ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فيما يبدو، وفي كل مرة سابقة كانت المنظمة تسارع إلى إغلاق أي نافذة من الأمل تظهر من بعيد أمام الناس، وقد وصل الأمر معها إلى حد أن مديرها الإثيوبي أدناهوم تيدروس صرح قبل أيام بأن العالم ربما لا يصل إلى أي علاج للڤيروس، وأن هذا الڤيروس ربما يظل يرافقنا مدى الحياة!

هذا كلام يزرع اليأس في قلوب الناس، ولا يقول به طبيب، فضلاً عن أن يكون هذا الطبيب متربعاً على قمة المنظمة المعنية بقضية الصحة في العالم!

إن الأمل جزءٌ من العلاج في حد ذاته، ولكن مدير المنظمة العالمية لا يريد أن يفهم هذا بكل أسف! غير أن ما يبعث على الأمل أن الوزير الروسي موراشكو قال إن إنتاج أولى دفعات اللقاح سيكون خلال أسبوعين، ليبدأ العالم بعدهما استخدامه على الفور!

إن ظهور ڤيروس كورونا لا يزال يحاط بالكثير من علامات الاستفهام، وكذلك الأمر في ملف انتشاره بسرعة لافتة، ولكن موقف منظمة الصحة العالمية منه سوف يظل يمثل في حد ذاته علامة استفهام كبرى.

إعلان

إعلان

إعلان