إعلان

حالة الحوكمة في المنطقة العربية والتقرير العربي للتنمية المستدامة ٢٠٢٠

د. غادة موسى

حالة الحوكمة في المنطقة العربية والتقرير العربي للتنمية المستدامة ٢٠٢٠

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:02 م السبت 27 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يبدو، للوهلة الأولى، أن الأمر يسير، وأنه بمجرد أن تتحقق بعض مؤشرات التنمية المستدامة سيصبح لدينا "حوكمة جيدة". وهو أمر ينم عن مأزق فكري وعجز عن فهم العلاقة العضوية بين كل من الحوكمة الجيدة والتنمية المستدامة، وأيهما المتغير المستقل، وأيهما المتغير التابع، وهل يصح الحديث من الأساس عن كونها متغيرات أم أهدافا في حد ذاتها.

فمثلما تواجه التنمية المستدامة عقبات هيكلية من أجل تحقيقها، تواجه الحوكمة الجيدة عقبات أكثر عمقاً، بل تكشف عن جروحٍ غائرة في جسد الوطن العربي. فمع إشراقة كل يوم تنضم لصفوف الدول العربية "المكلومة" دول أخرى ليصبح أي حديث عن تنمية مستدامة في ظل غياب الحوكمة الجيدة ضربا من الخيال أو استفزازا لمشاعر الكثير من الشعوب العربية التي تعمق الفقر والمرض فيها.

وهنا يكون الحديث عن أسبقية تحقيق الحوكمة الجيدة ضرورة ملحة، إذا ما أردنا أن نصل إلى ٢٠٣٠ وقد تمكنا - على الأقل - من تحقيق هدف أو هدفين من أهداف التنمية المستدامة ولتكن الرعاية الصحية والتعليم الجيد.

ومن هذا المنطلق، تبدو الحوكمة الجيدة كأنها الأساس والإطار الذي يوفر المناخ والظروف المناسبة لتحقيق باقي عناصر التنمية المستدامة.

ولحسن الطالع صدر التقرير العربي للتنمية المستدامة ٢٠٢٠ ليلقي الضوء على حالة الحوكمة في الدول العربية. والكشف عن هذه الحالة يبصرنا بقدراتنا وإمكاناتنا المتواضعة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

فالحديث عن الإمكانات المتواضعة ليس عيبا، بل اعتراف مفيد يمكننا من تحديد بوصلة العمل بشكل واضح.

لقد حدد التقرير 6 متطلبات يجب الوفاء بها حتى يمكن تحقيق الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة، وهي:

المطلب الأول ضرورة وجود منهج متكامل في وضع السياسات من الدراسة والتخطيط إلى التنفيذ والمتابعة والتصويب.

المطلب الثاني ضرورة أن يتحول هيكل الاقتصادات العربية إلى الإنتاجية المستدامة، بما يشمل ذلك من تعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة والحد من الاقتصادات الريعية وزيادة نسب التشغيل.

المطلب الثالث هو الالتزام بحقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية على مستوى كل من الدولة والمجتمع.

المطلب الرابع هو ضرورة إنهاء الصراعات وتعزيز وتقوية هياكل الحكم، وهو مطلب منطقي في ضوء تنامي النزاعات والصراعات التي ترزح تحتها المنطقة العربية.

أما عن المطلب الخامس، فيتعلق بإعادة النظر في دور التعليم والتعلم والتغلب على فجوات تمويل البحوث والابتكارات.

وأخيراً يركز المطلب السادس على دور المجتمع العالمي في دعم ومساندة جهود الدول النامية في تحقيق المتطلبات السابقة.

ومما لا شك فيه أنه من الصعب تحقيق المتطلبات السابقة، كما سبقت الإشارة، في ظل ضعف مؤشرات الحوكمة الجيدة في الدول العربية، وأيضاً في ظل عدم الاستقرار السياسي وتفاقم الأزمات الداخلية والإقليمية من جانب، وضعف هياكل اتخاذ القرار وعدم استدامتها.

وبإلقاء نظرة سريعة على مؤشرات حالة الحوكمة في الدول العربية، يمكننا استيعاب وتفهم الوضع الراهن أملا في إمكانية العمل الدؤوب للفكاك منه نحو آفاق أفضل.

ولأن الحوكمة الجيدة تُعنى بالأساس بكيفية صنع وتنفيذ القرارات، فيشير التقرير إلى عدم الشمول في صنع السياسات. فالسائد هو شكل من أشكال الحوكمة المركزية الذي يحول دون مشاركة أطياف المجتمع المختلفة في القرارات التي تمس حياتهم اليومية. وهذا الغياب يقوض من قدرة المجتمع على تقييم تلك السياسات من جهة، وعلى وجود مساءلة فعالة من جهة أخرى.

أما فيما يتعلق بمؤشر سيادة القانون، فعلى الرغم من التطورات الإيجابية المتعلقة بوضع دساتير جديدة وإصلاح دساتير قائمة في اتجاه منح المزيد من الحقوق، فما زال هناك جوانب قصور في تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان قدرة الأفراد للوصول لخدمات العدالة وسرعة إصدار الأحكام.

ويرتبط بهذه النقطة ضعف جودة التنظيمات وقدرتها على تسيير المنظمات الرسمية تحديدا في أن تكون فعالة وشفافة ومنفتحة؛ فالهياكل البيروقراطية واستشراء المحاباة والمحسوبية وضعف القدرة على السيطرة على الفساد تقوض من قدرة المؤسسات على تنفيذ السياسيين والاستجابة لمطالب المواطنين. وبالتالي يضعف من فعاليتها.

في الواقع يزخر التقرير بتفاصيل كثيرة تتطلب نقاشا موسعاً في هذا الشأن. كما يحتاج إلى قراءة من المسئولين على نطاق عربي موسع للنظر في كيفية الخروج من المآزق التي تحيط بالمنطقة العربية.

إعلان