إعلان

عالم كورونا: رؤية اقتصادية    (4)

عصام شيحة

عالم كورونا: رؤية اقتصادية (4)

عصام شيحة
07:00 م الثلاثاء 28 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ضاقت النظم الحاكمة في كثير من الدول بحالة الإغلاق التي فرضتها جائحة كورونا، رغم أن المتأخرين في الالتزام بها عانوا كثيرًا جراء الاستخفاف بالفيروس القاتل، راجع في ذلك الولايات المتحدة. ومن ثم بدأت العديد من الدول إعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران بالتدريج، بعد أن تكبد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة، قدرها صندوق النقد العالمي بنحو 9 تريليونات دولار، فيما لو استمر الوباء نحو عامين.!

وقد وصف الصندوق خسائر الاقتصاد العالمي في عام 2020 بأنها الأسوأ منذ الكساد العظيم عام 1929، وفي تقدير الصندوق أن الاقتصاد العالمي سينكمش بنسبة 3% عام 2020، لكنه قد يرتد العام المُقبل 2021 بمعدل نمو قدره 5.8%. غير أن الصندوق يرى أن الاقتصاد العالمي قد لا يتعافى تمامًا بنهاية 2021 من تداعيات جائحة كورونا، رغم أن الاقتصادات العالمية رصدت حزمة تحفيزية بلغت نحو 8 تريليونات، وهي استجابة أسرع وأقوى من تلك التي لقيتها الأزمة المالية العالمية عام 2008.

يُشير ذلك إلى أن العالم تعلم الدرس وأيقن أن الاقتصاد أولوية قصوى، وعليه ترتكز جهود السلم والأمن الدوليين، مثلما هو أيضًا منشأ الكثير من النزاعات، وأقربها الحرب التجارية القاسية التي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الصين، وطالت شظاياها حلفاءه في أوروبا، وجيرانه الأمريكيين. حتى أن الاقتصاد مرشح ليكون في صدارة الملفات بالغة الحساسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُقبلة، 3 نوفمبر 2020. وليس من المنتظر أن تشفع جائحة كورونا للرئيس ترامب؛ إذ تعامل معها الرجل ببساطة أكثر من اللازم حتى خرجت الأمور عن السيطرة، واحتلت بلاده مقدمة الدول المتضررة.

وطبيعي أن يرى صندوق النقد الدولي أن الاقتصادات المتقدمة أكثر قدرة على مواجهة أزمة جائحة كورونا؛ إذ ستواجه الاقتصادات الناشئة تحديات عدة، لعل أهمها هروب الاستثمارات الأجنبية منها، حيث سحب المستثمرون الأجانب نحو 83 مليار دولار من الأسواق الناشئة حتى نهاية مارس الماضي.

ولا شك أن القوى الاقتصادية الكبرى هي المصدر المعتاد للأزمات الكبرى التي يواجهها الاقتصاد العالمي؛ فقد بدأ الكساد الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية، الاقتصاد الأول عالمياً، التي كانت قد شهدت ازدهارها الاقتصادي في العشرينيات من القرن العشرين، ثم دخلت في ركود أعقبه الكساد الكبير عام 1929، ولم تخرج منه إلا عندما عاد اقتصادها إلى النمو عام 1932.

وكذلك فعلت الصين، الاقتصاد الثاني عالمياً، وهي مصدر ومنشأ جائحة كورونا، حيث أشارت عدة تقارير إلى أن عجلة الاقتصاد الصيني بدأت سريعاً في العودة إلى الدوران بعد الصدمة التي تلقاها جراء جائحة كورونا. فبعد أن كان اقتصاد الصين يحقق معدلات نمو متميزة، بلغت عام 2018 نحو 6.6%، بدأ التباطؤ يُخيم عليه العام الماضي 2019 جراء الحرب التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ فتراجع معدل النمو إلى 6.1%. ورغم أن النمو الأخير يتسم بالقوة بكل المقاييس العالمية. إلا أنه النمو الأضعف وتيرة منذ عام 1990، ما يُشير إلى إمكانية تحقيق الصين قفزة كبيرة إلى الأمام إذا ما تحققت التقديرات بشأن الانكماش المتوقع للاقتصاد الأمريكي.

من هنا راج الجدل حول إمكانية تفوق الاقتصاد الصيني على نظيره الأمريكي بسبب جائحة كورونا. وهنا تُلح على الخروج إلي العلن تساؤلات شتى حائرة: هل ستقف أوروبا بجانب الولايات المتحدة في حربها التجارية مع الصين، وترد الجميل لمشروع مارشال الأمريكي الذي منح أوروبا قُبلة الحياة بعد أن دمرتها الحرب العالمية الثانية؟. وبداية هذا السيناريو قد تكمن في إغراء أوروبا، الذي بدأ بالفعل، لعديد من الشركات الكبرى العاملة في الصين للانتقال إلى أوروبا!. أم أن الاقتصاد الصيني سيتمسك بالفرصة ويتبوأ المقدمة؛ ومن ثم فإن البراجماتية الاقتصادية الطبيعية ستصب في رصيد توافق أوروبي ـ صيني، خاصة وأن الحرب التجارية التي فجرها ترامب نالت من مصداقيته لدى حلفائه الأوروبيين باستثناء صديقه المخلص رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي لم يُمهله فيروس كورونا المستجد واحتجزه معزولاً حيث لا يمكن مشاركة ترامب تهديد الصين!

** للتواصل مع الكاتب

shiha@yahoo.com

إعلان