إعلان

الكلمة

عبدالله حسن

الكلمة

عبدالله حسن
07:00 م الإثنين 13 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

استطاعت الكلمة أن تحيا على مر العصور.. فكان اللفظ هو السيف والرمح وقت الحرب وكانت الكلمة حمامة بيضاء في وقت السلم.. واستطاع الحرف بكل ما يملك من مرونة أن يحيا ويجتاز أعاصير الزمان وتقلباته ولم يستسلم إلى السجن والسجّان ولم تنفع محاولات إسكاته وتقييده.. وبعد أن تجاوزت الأرض عامها العشرين بعد الألفين وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ستبقى الكلمة هي مبدأ الخلق ونهايته..

بداية الكون كلمة "كن" فكان.. وأول ما تعلّم آدم من الله كانت "الأسماء" وأول ما تلقى من ربه بعد خطيئته كانت "كلمات".. ثم تاب عليه.. الكلمة فِعل وتصرف ومردود.. وقال النبي إن ما يكب الناس على وجوههم في النار هو حصاد الألسنة من الكلمات.. ومخطئ من يظن أن الكلمة مجرد حركة من اللسان يتبعها اهتزازات من الحنجرة فيخرج الصوت والحرف تلو الآخر.. سيدي إن الكلمات خناجر وسيوف وبلسم ودواء.

الحرب كلمة.. والسلم كلمة.. الزواج كلمة.. الطلاق كلمة.. الذنب كلمة.. والمغفرة كلمة.

لا تستهِن بالكلمة فهي رصاصة إن خرجت من فمك كما تخرج الرصاصة من فوهة البندقية لا سبيل لإرجاعها مرة أخرى.

وفي هذه الظروف المحيطة أطلّ علينا "بوريس جونسون" رئيس وزراء بريطانيا بكلمة أفقدت شعبه الصواب، وبثت الرعب في قلوبهم.. والحق أن الحال ازداد سوءا بعد كلمته حتى أصيب هو شخصيا. وتبعه "دونالد ترامب"، رئيس الولايات المتحدة، بعدة أحاديث تفتقر إلى الكلمة الطيبة الرزينة وأيضا تفشى الفيروس في أمريكا بشكل أفقدهم السيطرة عليه.

بينما أطل علينا الرئيس عبد الفتاح السيسي مرتين، خلال هذه الأزمة، بدا الرجل هادئا ومطمئنا.. كان واقعيا كعادته لم يزيّن الصورة.. لم يهوّن ولم يهوّل.. طالعنا بكل شفافية بما يحدث داخل بلادنا من تجهيزات واستعدادات لأسوأ السيناريوهات.. قال إن حياة المصريين لا تقدر بثمن والخسائر الاقتصادية للأزمة مهما بلغت من الكبر ستكون أقل وأصغر من خسائر الأرواح.. كلمته كانت بليغة وصادقة.. أعطت إحساسا لكل مصري بالفخر بوطنه وبرئيسه الذي أصدر قرارا بعودة المصريين لبلادهم، منذ أول يوم في الأزمة.. والتزم بمصاريف الحجر الصحي في الوقت الذي كانت فيه بلاد نحسبها متقدمة ومن دول العالم الأول تركت رعاياها دون حماية في جميع أنحاء العالم.. وصدقني قد يطول الحديث عما فعلته مصر من مساعدات للصين وإيطاليا وغيرهما.

الآن كانت الكلمة هي الفيصل ما بين دولة ودولة وما بين شعب وشعب وما بين رئيس ورئيس.. كلمة أوضحت لنا وهم أمريكا الذي استمدته من السينما والأفلام على مدار عقود.. واكتشفنا كم هي هشّه وضعيفة.. كلمة أوضحت لنا أن الحياة الأوروبية ليست جنّة كما كنا نتصور.. شاهدنا الاستيلاء على السلع وتكسير المحال وحالة الذعر التي انتابت المواطنين "المتحضرين" كما كنّا نظن.. كل هذا بسبب كلمة.

وسينتهي هذا الوباء قريبا "بكلمة " من "الله" هذه المرة.. ونتضرع إليه الآن "بكلمة".. ليقول "كلمة" وتعود الحياة لسابق عهدها بكلمة "كن".. فتكون.

إعلان