إعلان

الشرق الأوسط بعد كورونا

أمينة خيري

الشرق الأوسط بعد كورونا

أمينة خيري
07:00 م الإثنين 13 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مراكز الأبحاث الدولية والفكر think tanks العالمية ذات الأسماء البراقة والسمعة التي تنافس "البلالانط" (ويقال إن البلنط حجر شبيه بالرخام الأملس) والخبرات الأكاديمية المتراكمة عبر عقود لينظر إليها العالم باعتبارها قبلة تحليل الأحداث وتفنيد المجريات والتنبؤ بما ستسفر عنها الأوضاع الراهنة من نتائج وأحداث مستقبلية بناء على تحليلات علمية لا خرافية أو خيالية، غارقة حتى أذنيها هذه الأيام في التنبؤ بما سيكون عليه شكل العالم في زمن ما بعد كورونا.

التنبؤ بالنظام – وربما اللانظام – العالمي الجديد في زمن ما بعد كورونا شديد الإثارة. والأسباب كثيرة. ربما التنبؤ بما يجري لنا بعد الوباء يعطينا أملاً في أن شيئاً ما سيحدث مختلفاً عن عدادات الوفيات المفزعة وأرقام الإصابات المقلقة وإجراءات العزل والحجر والحظر الموجعة. كما أن كثيرين منا ينظرون إلى تلك المراكز باعتبارها نبراس العلوم السياسية والمنهج المعتبر الذي ينبغي انتهاجه في شؤون إدارة الدول وتصحيح المسارات السياسية وتقويم الإجراءات الاقتصادية وحتى في تحليل الثقافات الدينية والاجتماعية والمعيشية.

معيشة شعوب الأرض بعد انتهاء أزمة فيروس "كورونا المستجد" أو "كوفيد – 2019" بالطبع لن تكون كما كانت عليه قبلها. وبالطبع أيضاً التغيرات والتقلبات – سواء كانت سلبية أو إيجابية- ستخضع لاختلافات عدة بحسب ظروف كل دولة وأحوالها ومكانتها قبل الأزمة. دول العالم الأول ستختلف عن بعضها البعض اقتصادياً وسياسياً وصحياً واجتماعياً. ويتوقع أن تتغير سياساتهم تجاه "الجنوب" وفيما يختص باستقبال اللاجئين وقوانين الهجرة وغيرها. البعض يعتقد أن النظام الجديد بعد كورونا سيقتصر على دول رابحة من الأزمة وأخرى خاسرة، أو أن دولاً كانت تعتقد إنها تقف على الجبهة نفسها، ستكتشف أن في أوقات الأزمات والكوارث تتفتت الجبهات وتتحلل التحالفات، إلى آخر قائمة التوقعات التي تزخر بها هذه المراكز.

لكن هذه المراكز تنظر إلى منطقة الشرق الأوسط في زمن ما بعد كورونا بأسلوب مختلف. بالطبع مسألة النفط تأتي على رأس قائمة الاهتمامات والأولويات، وهذا طبيعي لأن النفط مازال قضية أمن (أو قلة أمن) للكوكب. وبعيداً عن النفط (وإن كان البعد الكامل عنه أمراً شبه مستحيل نظراً لتشابكاته المباشرة وغير المباشرة في كل شيء من الإبرة للصاروخ)، فإن هذه المراكز الكبيرة والمهمة تنظر في بلورة الشرق الأوسط المسحورة من منطلق عواقب الأنظمة السلطوية" و"مآل الدول الديكتاتورية" و"مصير الشعوب المقموعة" وغيرها من فرضيات لا تخرج عن أطر الأنظمة التي يجب إسقاطها لإقامة الديموقراطيات تبعاً لمعايير كتب ومراجع العلوم السياسية والفلسفية.

وعلى الرغم من حاجة الشرق الأوسط الماسة والسريعة لعديد من الإصلاحات والتقويمات في العديد من أنظمتها السياسية، ومن ثم الاقتصادية، ومع هذا وذاك قواعدها الشعبية التي تحتاج أطناناً من الاهتمام بصحتها وتعليمها وثقافتها، مع أميال من الإصلاح الديني وعلاج فقر الفكر المستشري، إلا أن قصر مستقبل الشرق الأوسط في زمن ما بعد كورونا على أي الدول ستسقط، وأي "الديكتاتوريات" ستخرب، وأي "السلطويات" ستنهار أمر يؤكد على قصر نظر لا يستهان به، مع إصرار على اعتبار إسقاط أنظمة الشرق الأوسط ( باستثناء إسرائيل وتركيا) الحل الأوحد لرفعة شعوب المنطقة. أما كيف تسقط؟ ومن يحل محل ما سقط؟ وكيف تتم إعادة البناء؟ وغيرها من الأسئلة التي تطرح عادة بعد إسقاط الأنظمة، فإن الإجابات مازالت موجودة في صفحة 385 من مرجع العلوم السياسية في باب "كيف تبني الدولة بعد إسقاطها؟"

وتعطينا المراكز لمحة من طريقة الإسقاط والتي مازالت تتمحور حول طرح أسئلة تنضح بنبرة القلق التي تعتري المراكز والقائمون عليها وممولوها. "ما مصير التظاهرات الشعبية"" "هل تقضي كورونا على آمال اندلاع الثورات العربية مجدداً؟" "ما الفرص المتاحة لإعادة الزخم للانتفاضات العربية الغاضبة؟"

و... قبل أن يقفز القفازون ويهجم الهجامون على تفسير هذه الكلمات باعتبارها تشجيعاً على الديكتاتورية وترسيخاً للسلطوية وتجذيراً للنظم القمعية، ينبغي الإشارة إلى أن المقصود هو إشراك أصحاب الشأن في التفكير، وتحريك مياه التنبؤ الراكدة هناك قبل هنا.

إعلان