إعلان

مبروك.. عندنا كورونا

عبد الله حسن

مبروك.. عندنا كورونا

عبدالله حسن
09:00 م الإثنين 09 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قالوا عنه .. المُرعب .. القاتل .. الفتّاك الذي لا يرحم .. بدأ رحلته من أقصى الشرق ثم انتشر إلى باقي القارات بلا حواجز ولا تذاكر طيران ولا تأشيرات .. مرتديا قناعه الأسود .. لا يطرق الأبواب .. تجده بداخلك وفي غضون أيام وساعات قليلة يُهلك جسدك ولا يَهلك .. يعبث بجهازك التنفسي ولا يتركك إلا جثة هامدة.

قالوا عنه .. سلطان الأوبئة فهو ليس طاعونا .. ولا كوليرا .. ولا ضعيفا مثل الملاريا .. ولم يجدوا له مصلا أو لقاحا .. ولكنه ينتشر كالنار في الهشيم .. يأتي على الأخضر واليابس .. لا أحد ينجو من سطوته.

أطلقوا عليه اسم "كورونا" .. وما إن وصل إلى مسامعنا هذا الاسم حتى تداعت علينا "النكات والإفيهات" ولا أخيفكم سرا بعضها كان يضحكني إلى حد كبير .. وأثبتت أننا شعب "كوميدي بطبعه" وعلى مدار التاريخ كانت النكات والإفيهات وخفة الدم المصرية مصاحبة لنا في جميع مصائبنا وربما لهذا السبب نجونا منها.

سرعان ما تطور الموضوع، وأصبحنا نتابع الوحش كورونا وهو يفترس البلاد واحدة تلو الأخرى .. لدرجة أننا استعجبنا كيف لم يصل إلى مصر .. بل غالى البعض واتهم الدولة بالتقصير- كعادة كل المناسبات.. وصاح البعض: كيف لم يصل إلينا كورونا .. خصوصا أن هناك دولا أعلنت عن حالات قادمة من مصر .. وتركنا كل الأهوال والمخاطر التي يسببها المرض، وأصبح اعتراضنا الأوحد هو عدم اكتشاف حالات مصرية .. وكأنه سباق في التطور والاختراعات .. تقريبا عزّ علينا وجود حالات في دول الغرب كفرنسا وأمريكا ولا يوجد لدينا .. وكأننا "نحس" حتى في المرض!

انهالت علينا التحذيرات، وسرعان ما أدرك "الفهلوي" المصري "بزنس" الكمامات .. فأصبحت أسعار الكمامات تنافس أسعار اللحوم .. وصرّح مصدر موثوق به من أحد "جروبات الماميز" بأن كورونا في طريقه لالتهام الأطفال في المدارس .. وبأن هناك حالات بالفعل ولكن الحكومة لا تريد الاعتراف..!

وسط كل هذا الهراء كانت الدولة تعمل، وتحمل على كاهلها كل الاتهامات .. وسافرت وزيرة الصحة إلى الصين، وكالعادة ظهر "جهابذة النت" في تفسير الزيارة .. قال البعض إنها ذهبت لكي تعطيهم مصل العلاج .. والبعض قال إنها مصابة بالفيروس وذهبت للعلاج .. وانهال "أهل الشر" بالدعاء عليها وعلينا بأن يصيبنا المرض اللعين ولا نشفى منه، وكأن الفيروس سيسألك عن توجهاتك السياسية قبل أن يتغلغل في جسدك! ومن هنا نكتشف أننا نمتلك فيروسات أشد خطرا وفتكا من كورونا.

في النهاية، هو مرض كأي مرض .. وعاجلا أم آجلا سيظهر علاج له مثل سابقيه .. أما ما نحمله في قلوبنا من غل وحقد وحسد وكره، فلا علاج له سوى الإيمان بالله وقدره.

أنا حقيقة مستاء جدا؛ فنحن عباقرة في صناعة الأزمة .. ونتفنن في جلد الذات، وننظر إلى أنفسنا نظرة دونية .. ونتمسك برأينا حتى لو كان ذلك ضد مصلحتنا العامة.

وأقسم بالله إن هناك من تمنى ظهور كورونا في مصر ليس لشيء إلا ليثبت صحة وجهة نظره .. غير عابئ بحجم المصيبة التي يمكن أن تحدث لبلد تعداده يفوق المائة مليون.

فليذهب الـ100 مليون إلى الجحيم؛ في سبيل أن يكتب على الفيسبوك "مش قولتلكم إن مصر فيها كورونا ومخبيين".

إعلان