إعلان

آفات فكرية مميتة

أمينة خيري

آفات فكرية مميتة

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 02 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هل آن أوان اعترافنا أننا نواجه آفة كبرى اسمها تبديد الجهود وإضاعة الوقت وإهدار التفكير في مسائل هامشية تصل إلى درجة التفاهة والضحالة؟!

وهل حان وقت مكاشفتنا لأنفسنا بأن علينا أن ننظر إلى ما فعله غيرنا في شرق الأرض وغربها من أجل أن يحرزوا تقدماً فعلياً في مسارهم وتغيراً حقيقياً في نوعية الحياة التي يعيشونها؟!

لقد ابتلينا بعدد من الابتلاءات التي أمعنا وأفرطنا وأبدعنا في تسليطها نحو أنفسنا وتعذيب بعضنا البعض بها، واعتبارها وسيلة لنيل الشهادة أو ربما قضاء سنوات عمرنا بشكل أو بآخر حتى يحين موعد الموت وتخلصنا من الحياة الصعبة.

الحياة الصعبة تحتاج عملاً وجهداً وبحثاً وعلماً وتنشئة وتربية وتقويماً وتعديلاً وحثاً على المزيد من كل ما سبق على مدار سنوات العمر. لكن نسبة كبيرة منا فضلت أن تسلك الطريق الأسهل. فإما الاستجمام الكامل تحت راية "على قد فلوسهم" حيث تقصير في العمل وإهمال في المسؤولية، أو الاستعباط الكلي؛ حيث رفع مبدأ "اللكلكة" حيث القيام بالأعمال بأسرع سرعة ممكنة وأردأ نوعية متاحة وادعاء أنه ليس في الإمكان أبدع مما تمت لكلكته، أو التفرغ التام للهري والإفتاء والإدلاء بالدلو الذي بات أغلبه "غثاء أحوى" على متن منصات التواصل الاجتماعي، أو تسليم العقل لأدعياء الدين الجدد وتجاره وهو على المحارة.

وقد قام الأدعياء والتجار على مدار ما لا يقل عن خمسة عقود بتشطيب العقول وتسليمها لأصحابها بعدما تم سلبها من القدرة على التعقل أو المنطق أو حتى الرغبة في الحياة.

هذه الفئة الأخيرة التي ضربت ملايين العقول في مصرنا التي كانت مستنيرة باتت مهمتها الكبرى والأولى هي تصدير كراهية الحياة، وتحريم كل مظاهرها وظواهرها، مع الإبقاء على الجوانب المظلمة والزوايا البائسة فيها.

هؤلاء على قناعة تامة بأنهم جنود الله على الأرض. ينشرون الفكر المتأسلم المنغلق الكاره للحياة والرافض للآخر، وكلما زاد، وتوسع سجدوا شكراُ وهللوا فرحاً.

وهم بالطبع يورثون ما يفعلون لأبنائهم وأحفادهم حتى تكتمل دائرة البؤس الفكري وتضيق حلقة الظلام المعرفي.

هذه الآفات التي ضربتنا، منذ سنوات، نغوص فيها الآن، ونجني ثمارها الآخذة في الطرح والانتشار.

وهي آفات لا تواجهها قوات أمنية، أو مواجهات فيسبوكية. فكل منا- كما هو واضح- منشغل بتركيبة فكرية وثقافية أغلق بابها على نفسه، وبات يعتقد أنها الحق المطلق والحقيقة الوحيدة.

ولأن قيم العمل والبحث واحترام الخصوصية وقبول الاختلاف والتفكير النقدي هي والعدم سواء في ثقافتنا الآنية وتركيبتنا الاجتماعية الحديثة، فإن الطاقة السلبية الرهيبة النابعة من كل ركن وصوب أصابت الملايين بالإحباط والاكتئاب.

هذا الكم المذهل من التنظير الفيسبوكي والإمساك بخناق المختلف في الرأي والتوجه يثير التوتر ويرفع الضغط، ويزيد العصبية. وهذا الكم المذهل من الإهمال الذي بات فطرياً في العمل و"اللكلكة" التي أصبحت "ترايد مارك" مصرية جعلت الكل فاقد الثقة في كل ما يتم إنجازه من أعمال ومهام. وهذا من شأنه أن يفقد الجميع الشعور بالإيجابية أو الراحلة النفسية أو الثقة في ما ومن حوله.

وأخيراً وليس آخراً، وعلى الرغم من ضرب معاقل التطرف والتشدد في السعودية نفسها بأدوات وقرارات وإجراءات التنوير والخروج من نفق العزلة والتشدد المظلم، فالغالبية في مصر ممسكة بتلابيب الظلام، وكأنه أصبح إدماناً، بدءاً ممن كنا نظنهم قائمين وقادرين على أمر التطهير والتحديث، مروراً بمن سقطوا في فخ مقايضة التنوير بقيم مستوردة ومفاهيم متشددة، وانتهاء بالجيلين الثاني والثالث من الأبناء الذين هم مسخ كامل من التشدد مع الانفلات، والانغلاق مع غياب الأخلاق.

ألا يستدعي ذلك صحوة فورية واستفاقة إجبارية؟!

إعلان