إعلان

مصر ونُخبتها في زمن مبارك

د. أحمد عمر

مصر ونُخبتها في زمن مبارك

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 01 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كنت طالباً جامعياً شغوفًا بالفلسفة والأدب والصحافة، وفي ذلك التوقيت كانت جريدة العربي الناصري، تحت رئاسة تحرير الأستاذ عبد الله السناوي، تُقدم صحافة معارضة شجاعة ورصينة. وكانت تضم نخبة من كُتاب مقالات الرأي الذين قدموا زادًا معرفيًا وسياسيًا في منتهى الثراء بالنسبة لشاب في طور التكوين، عاشق لبلاده وتاريخها ورموزها، ومشغول بهموم حاضرها، واستشراف ملامح مستقبلها.

وعلى صفحات جريدة العربي الناصري، كتب الراحل الدكتور حسين أحمد أمين في نهاية تسعينيات القرن الماضي مقالًا جريئًا وصادمًا، تحت عنوان "المثقف المومس"، ما زلت أحتفظ به إلى اليوم بين أوراقي الخاصة؛ لأنه كان كاشفا حقائق كثيرة، وملهماً أفكارا وخيارات وطنية ووجودية ومهنية في غاية الأهمية.

تحدث الدكتور حسين أحمد أمين في هذا المقال عن ظاهرة تحولات المثقفين والسياسيين، ومَن يُطلق عليهم "النخبة" وخلعهم دائمًا قناعاتهم ومبادئهم، بهدف نيل رضا السلطة وأصحاب الحظوة والنفوذ والثروة الجدد، وضمان دور ووظيفة في كل العصور.

وبالتالي تحقيق أكبر قدر من المكاسب الشخصية على حساب احترامهم تاريخهم وأنفسهم واحترام الناس لهم، وعلى حساب المسؤولية الوطنية والمهنية، وعلى حساب قداسة وشرف الكلمة، ولهذا شبه هؤلاء بالمومس التي تخلع ملابسها ببساطة واستمرار لتؤدي عملها، وتبيع كرامتها وجسدها.

وقد أشار الدكتور حسين أحمد أمين في هذا المقال إلى نقطة بالغة الأهمية في الدلالة على عصر الرئيس الراحل مبارك، حيث ذكر أن نظام الرئيس حسني مبارك ونظامه قد نجحا نجاحاً منقطع النظير في شغل كل إنسان مصري مهما كان علمه أو مهنته أو منصبه بمصالحة الشخصية والأسرية، وإبعاده عن الاهتمام بهموم الوطن والشأن العام، بحيث يصبح لسان حاله ومقاله: أنا ومن بعدي الطوفان.

كما نجح أيضاً في تشويه الشخصية المصرية، وإضعاف وتقزيم دور مصر ونخبتها وقوتها الناعمة، وهدم القدوة والمثل الأعلى.

وبعد مرور سنوات طويلة على كتابة هذا المقال، يُمكن القول اليوم إن تلك السياسة التي رعتها جماعة المصالح المحيطة بالرئيس حسني مبارك كانت سياسة موجهة ومدرُوسة، وتهدف إلى تقزيم القيادات والنخب في مصر، بل تقزيم مصر الدولة والدور والمكانة، لخدمة "مشروع التوريث" وحتى تصبح مصر ونخبتها دون قامة الوريث الحالم بملك أبيه؛ بحيث يظهر بمفرده عملاقاً في الصورة، ويبدو المحيطون به دونه في كل شيء.

وأظن أننا منذ يناير 2011 وإلى اليوم نجني الحصاد المر لتلك السياسة التي رفعت من قامة المثقف الفهلوي رجل كل العصور، وأفقرت- إلى حد كبير- مؤسسات الدولة المصرية وأجهزتها التنفيذية في هذه المرحلة الحاسمة التي تمر بها المنطقة والعالم، من نموذج رجل الدولة الوطني، المخلص الواعي، المتفاني في عمله، المجرد عن الهوى والغرض الشخصي، الشجاع، القادر على اتخاذ القرار في التوقيت المناسب، وتحمل عواقبه.

رجل الدولة الموهوب في التفكير خارج الصندوق، وفق رؤية مستقبلية علمية وعملية، والذي يتعامل في النهاية مع الوظيفة العامة بوصفها مهمة وطنية ومسؤولية اجتماعية، وليست مغنمًا شخصياً وعائليًا.

ولهذا فإن إصلاح هذا الخلل الكبير الذي ورثناه عن زمن حكم الرئيس مبارك، وإعادة بناء النخبة المصرية الوطنية، وقوة مصر الناعمة على أسس معرفية ووطنية جديدة تتناسب مع أحلام الوطن وشعبه وطموح قيادته الجديدة، وتتناسب مع متغيرات المنطقة والعالم الذي نعيش فيه - صار اليوم مهمة وطنية وتاريخية تقع على عاتق نظام حكم الرئيس السيسي.

وهي مهمة لا تقل أهمية عن مهام وأعمال الرئيس المُخلصة الأخرى التي تهدف إلى إعادة بناء الدولة المصرية وإصلاح مؤسساتها واقتصادها، وحماية ثوابت أمنها القومي، ومواجهة التهديدات والمخاطر التي تستهدفها.

إعلان