إعلان

ولكن الفيلم الكوري خير مثال!

سليمان جودة

ولكن الفيلم الكوري خير مثال!

سليمان جودة
09:04 م الأحد 23 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تصورت، للوهلة الأولى، أن الدولة المقصودة من وراء سخرية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هي كوريا الشمالية التي لا تزال معركتها النووية مع العالم، ومع الولايات المتحدة بالذات - معركة مفتوحة وممتدة ومتعددة الجبهات!.. تصورتها هي، وليست كوريا الجنوبية التي تحمل شركة سامسونج جنسيتها، وتدور بمنتجاتها الإلكترونية الشهيرة حول الأرض !

ولكن.. تبين أنها ليست كوريا الشمالية، وأن ترامب كان يسخر خلال جولته الانتخابية في ولاية كولورادو الأمريكية من منح فيلم "طفيلي" الكوري الجنوبي جوائز الأوسكار هذا العام، وكان قبل أيام يبدي دهشته من حصول فيلم كوري جنوبي على أكثر من تكريم من جانب جوائز أوسكار!.. وقد كان السبب الخفي أن ذلك كله جاء في وقت تتزايد خلاله المشكلات التجارية بين واشنطن، وبين كوريا الجنوبية!

والذين رأوا الفيلم من نقاد الفن كتبوا الكثير عن مدى الجودة فيه على كل مستوى، وعن استحقاقه الأوسكار في أكثر من مجال، وعن أن حصوله على جوائزه كان لأسباب فنية مجردة، وعن أن المعايير الموضوعية للفن كانت متوافرة فيه بشكل واضح!

ولذلك استحق الأوسكار، وحصد منها أكثر من جائزة، ونال إعجاب الكثيرين من نقاد الفن، ومن جماهير السينما على السواء !

ولكن ترامب خلط، كالعادة، بين السياسة والفن، ولم يستطع أن يضع المنافسة المحتدمة بين شركة سامسونج الكورية الجنوبية، وبين شركة أبل الأمريكية على جانب، ثم يضع استحقاقات الفن الرفيع في جانب آخر بعيد، ودون خلط بينهما!

لم يستطع.. ولم يشأ أن يرى في الموضوع كله سوى أن سامسونج شركة كورية جنوبية، وأن أبل أمريكية، وأن الشركتين تنتجان الهواتف النقالة، وأن بينهما منافسة ساخنة ومشتعلة، وأن سامسونج كانت في الكثير من الجولات تتفوق على أبل وتتميز!

وبعقلية صاحب الأعمال التي تطغى على عقلية السياسي في داخله، راح الرئيس الأمريكي يستهزئ بالفيلم الكوري الجنوبي، ويراه أقل من أن يحصل على الأوسكار، رغم أنه لم يشاهد الفيلم، فقد اعترف بذلك عندما تلقى سؤالاً من جماهير الحملة الانتخابية عما إذا كان قد شاهده أم لا؟!

والظاهر أنه كان يوجه سهام النقد إلى سامسونج، في معركتها مع أبل، ولم يكن يتوجه بها إلى الفيلم الذي لم يشاهده.. فهكذا يفكر الرجل منذ دخل البيت الأبيض، وهكذا تتغلب عقلية صاحب الأعمال عنده على ما سواها في كل الأوقات.. وليس في هذا الكلام إقلال من هذه العقلية في العموم، ولكن القصد أن ننتبه إلى أن ترامب رجل سياسة الآن، ومنذ صار رئيساً قبل ثلاث سنوات تقريباً، لا صاحب أعمال كما كان في الماضي، وكما سيكون، ويعود عندما يغادر البيت الأبيض في نوفمبر القادم، أو في نوفمبر ٢٠٢٤.. فعندها لن يكون لأحد أن يلوم عليه في شيء، إذا غلبت عليه هذه العقلية التي نشأ عليها!

وفي كل الأحوال، ليست هذه المرة هي الأولى التي تتراجع حسابات السياسة عنده، أمام غيرها من الحسابات، فلقد فعلها كثيراً ومراراً، ولم يكن يخفي ذلك ولا كان يداريه!

فعلها عندما قرر سحب بلاده من اتفاقية المناخ، التي كان سلفه باراك أوباما قد وقّع عليها في باريس، من أجل مناخ أفضل للإنسان، من حيث هو إنسان على كوكب الأرض!

وفعلها عندما قرر وقف مساهمة بلاده في ميزانية المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم، الشهيرة باليونسكو، لمجرد أن المنظمة لم تجامل إسرائيل!

وفعلها عندما أوقف مساهمة بلاده أيضاً في ميزانية الأونروا، أو منظمة غوث اللاجئين، لمجرد الضغط على الفلسطينيين لصالح تل أبيب!

فعلها وفعلها.. وسوف يظل يفعلها.. لأن هذه هي طبيعته، ولأن هذا هو أسلوبه، ولأن هذه هي طريقته التي لا تتغير، ولا تفرق بين السياسة وغير السياسة، بل تخلط بينها وبين ما لا يجوز الخلط بينه وبينها.. والفيلم الكوري خير مثال.

إعلان