إعلان

من الرصانة العلمية إلى الفهلوة المعرفية

د. أحمد عمر

من الرصانة العلمية إلى الفهلوة المعرفية

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 27 ديسمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هذا عنوان مختصر لما صار إليه حال "معظم" البحث العلمي في الجامعات المصرية، في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية؛ لذلك لن نجد اليوم في حياتنا الفكرية أو الثقافية - إلا فيما ندر- من هم على شاكلة الدكاترة شوقي ضيف، عبد الرحمن بدوي، عبد العزيز القوصي، زكي نجيب محمود، سيد عويس، مصطفى سويف، جمال حمدان، سليمان حزين، رؤوف عباس، جلال أمين، حامد عمار، وغيرهم من جيل الرواد المؤسسين، أو من تلامذتهم من جيل الوسط الذين ساروا على نهجهم، وتمسكوا بالمنهجية والرصانة العلمية، وكانوا يتمتعون بالعقل المستقل والموهبة في التفكير، والإخلاص للعلم، والجدية في السلوك، والسعي لربط أبحاثهم في مجال تخصصهم؛ بما يخدم مجتمعهم ووطنهم، ويرتقي بمعارف ووعي وسلوك شعبهم.

وإذا كان أصحاب تلك الأسماء العظمية يمثلون قيم الرصانة العلمية في حياتنا الأكاديمية والثقافية، فإننا بما أصبحنا عليه اليوم، صرنا نعيش في مرحلة "الفهلوة المعرفية" بعد أن انتشرت الكتب المختلفة والمصادر والمراجع والأبحاث العلمية عبر شبكة الإنترنت أو في المكتبات، حيث أصبحت فضيلة وعبقرية "الباحث الفهلوي" تتمثل في سرعة جمع المعلومات، وتسويد الرسائل العلمية والأبحاث في أسرع وقت عبر مهارات القص واللزق، للحصول على الدرجات والوظائف والمناصب المختلفة، ودون أن يملك الباحث القدرة على تحليل تلك المعلومات، وإعمال العقل النقدي فيها، وتضفيرها وتوظيفها في صنع معرفة جديدة ورصينة.

وهذا يعني أن تلك الدراسات والأبحاث لا يمكن أن تمثل- إلا فيما ندر- إضافة حقيقية في ميدان التخصص العلمي، ولا يمكن أن تكون حلقة في إطار مشروع معرفي أو ثقافي يخدم غايات علمية ومجتمعية ووطنية.

وهذا في ظني يجعل "الفهلوة المعرفية" الداء القاتل الذي أصاب حياتنا الأكاديمية والثقافية، والذي يُهدد دور ومكانة مصر العلمية والثقافية والسياسية، وقدرتها على حل مشكلاتها وصنع تقدمها.

وهو الداء الذي لا بد من البحث له عن دواء عاجل بالسعي إلى تكوين طلاب علم وباحثين يملكون الموهبة في التفكير، والعقل النقدي المستقل، والإخلاص لحياة العلم، والشجاعة والقدرة على الاشتباك مع مشكلات وتحديات الواقع، وجعل البحث العلمي في خدمة الإنسان والمجتمع والوطن والإنسانية.

إعلان